أربعة.. رقم الموت! | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

أربعة.. رقم الموت!


حياة الناس غريبة، وطقوس البشر تدفع في تأملها للاستغراب، والأساطير حاضرة في حياة الناس كل الناس، بامتداد الأرض، من آسيا إلى أميركا.. أساطير تبقى شاهدة على هشاشة الإنسان، وافتقاره الدائم إلى ما يسد جوع روحه، بعيدا عن المادية القاحلة، مهما بلغ تطوره فيها.

أربعة.. رقم الموت!

ما الذي قد يحدث حين تقسم الكعكعة إلى أربعة أجزاء في حضرة صديقك الصيني؟ باختصار، لن يمد يده إلى الطعام، وربما لا يقرب مائدة طعامك مرة أخرى! يبدو لك الأمر تطرفا؟ عليك أن تعرف إذن كيف ينظر الناس في شرق آسيا إلى الرقم أربعة.. رقم الموت!

هل يمكن أن تؤثر أسطورة في حياة الناس إلى هذا الحد؟ وكيف تتوغل على حياة القاطنين في مساحة شاسعة من الأرض حتى تجبر كبرى الشركات العالمية على احترامها وتبجيلها؟ وما الذي يجعلها تتضخم إلى درجة أن تُصنف ضمن أمراض الرهاب المقررة عالميا؟

في مصر، بعد مذبحة رابعة، تحاشت المؤسسات الحكومية استعمال الرقم أربعة تماما؛ خشية أن يصنفهم الجنرال المجنون كداعمين للمعارضة للحكم العسكري الذي يتزعمه.. يتذكر الشباب على منصات التواصل كيف صدر إعلان حكومي يتضمن تعليمات مرقمة، قفزت إلى خامسا، بعد ثالثا، هربا من الرقم الملعون، أربعة.

في شرق آسيا يفعلون الأمر نفسه، لن تجد الرقم أربعة في أي مكان، لا في واجهات المحال ولا أرقام غرف الفنادق ولا على طاولات المطاعم.. تسلسلية الأرقام عندهم تضع الرقم 3a بدلا عن الرقم 4 ، والرقم 13a بدلا عن الرقم 14… وهكذا.

وحين يشتري أحد الماليزيين طعاما، فإنه يضع أقل من ثلاث قطع أو أكثر من خمس، فالطعام “المربع” قد يفضي بآكليه إلى الموت.. هذا أمر يشترك فيه العامة والنخبة، الأميون والمتعلمون، الشيوخ والشباب، جميع الناس في شرق آسيا يتشاءمون من الرقم أربعة، فمنطوق الكلمة في لغاتهم تعني “الموت”، وتجاهل هذا التحذير قد يمنحك حظا عاثرا.. هذه أسطورة شعبية يتحاكى بها كل الناس هناك.

ربما لا يتيسر على البعض استيعاب حجم الأمر إلا حين يجرب مرة أن ينطق بالرقم أربعة في أحد محال الصينيين لا سيما الباعة الجائلين، ليلحظ بوضوح هذا الفزع الذي يقفز فجأة على وجه البائع.. إيمان الناس في شرق آسيا بهذه الأسطورة بلغ حد المرض، ولذلك يطلق علميا على هذه الظاهرة اسم “تيترافوبيا” أو رهاب الرقم أربعة.

لا يتعلق الأمر بهذه المنطقة من العالم وحدها، ففي الولايات المتحدة الأميركية يواجه ملايين الأشخاص مرضا غريبا يسمى باللاتينية ديكتروفوبيا، حيث يعتبر المصابون به أن الرقم 13 مشؤوما، ولذا لا يرغب بعضهم أن يرتبط هذا الرقم بأي شيء يخصهم، فهم يتجنبون أن يكون رقم منزلهم 13، أو رقم غرفتهم 13 في الفندق أو المكان الذي يسكنون فيه، ولا يرغبون في تناول الطعام على مائدة عليها ثلاثة عشر شخصا.

ويتطور الأمر لدى بعض المصابين به إلى درجة الخوف من مصادفة تاريخ 13 يوم جمعة، وبدت له أعراض مخيفة استدعت أن يتم تصنيفه كمرض اسمه ”باراسكافيدكاتري​افوبيا”.. ويقول الطبيب دونالد دوسي إن العوارض التي تصيب 21 مليون أميركي في مثل هذا اليوم تراوح بين التّوتّر الخفيف والاضطراب والإحساس القوي بالتشاؤم والذّعر.

لا يعرف الأطباء سببا منطقيا لهذا المرض، فبعض المصابين به لا يترك سريره أو يغادر منزله، في حين يقوم آخرون بكل أنواع الطقوس لصد تأثيرات هذا اليوم، وكثيرا ما تظهر العوارض قبل أسبوعين من الموعد، تزداد سوءًا مع اقترابه وتختفي بمجرد انقضائه.

حياة الناس غريبة، وطقوس البشر تدفع في تأملها للاستغراب، والأساطير حاضرة في حياة الناس كل الناس، بامتداد الأرض، من آسيا إلى أميركا.. أساطير تبقى شاهدة على هشاشة الإنسان، وافتقاره الدائم إلى ما يسد جوع روحه، بعيدا عن المادية القاحلة، مهما بلغ تطوره فيها.

شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.