الحياة ليست حلوة يا صديقي
كنتُ أعرف صديقا فَجعنا ذات يوم، حين ارتكب جريمة القتل بحق نفسه.. كان قلبه رقيقا وحانيا، يرى المأساة في عيون الأطفال الجائلين على الطرقات وهم يسترقون الضحكات، ويختبر الألم في حركات شفاه السيدات الفقيرات في الأسواق وهن يعددن العملات المعدنية أملا في استكمال ثمن الحاجيات.
في حديثي الأخير معه، أتذكر أنه قال إنه لم يعد يحتمل أكثر، المأساة في كل مكان، هذا عالم قبيح مختل، "أنا محاصر من كل اتجاه"، كلما أرسل عينيه رأى ما يخلع القلب، ألم لا ينتهي، وتعاسة في كل زاوية تحرمه من كل بادرة سعادة يظفر بها.
يحكيني أنه ذات مرة خرج مع فتاة أحلامه في حديقة الأزهر، كان على وشك إخباره بحبه لها، لحظة انتظرها سنوات وكاد ينخلع لها قلبه وهو يحمل هديته الغالية لها.. لكنه ما لبث أن رأى فتاة في نفس عمرها تقف عند باب الحديقة وتبيع للداخلين المناديل والورود، انفطر قلبه من ظلم الحياة.
فتاتان في العمر نفسه، واحدة توشك على أن تسمع أغلى كلمات الحب، وأخرى تقتات على صدقات الناس لعلها تأكل وتشرب.. انغم واهتم واستحى، واستحالت لحظته المنتظرة كئيبة بما يكفي ليطلب الخروج من المكان.
فات على رحيل الصديق عدة أعوام لم يمر منها يوم واحد، لكنني أتذكر يوما مقالته: "هناك طريق واحد للسعادة في هذا العالم البائس، أن تكون وقحا بما يكفى لكي تعيش حياتك أنانيا، أن ترفع صوت الموسيقى في أذنيك حتى لا تسمع الصرخات من حولك، وأن تخلع على عينيك ما يحجبها عن رؤية ما يعانيه الناس، ثم تغني: ما أحلى الحياة!.. لا، الحياة ليست حلوة يا صديقي".