قواعد السطوة.. كيف تمسك بزمام القوة؟ | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

قواعد السطوة.. كيف تمسك بزمام القوة؟


ما رأيك في أن يختزل لك كتاب واحد ثلاثة آلاف عام من التاريخ الإنساني؟ هذا ما يفعله الكاتب الأميركي روبرت جرين في مؤلفه الأروع من بين كتاباته The 48 Laws of Power أو قواعد السطوة، أو كيف تمسك بزمام القوة، أو قوانين السلطة، أو 48 قانونًا للقوة.. حسب اختلاف التسميات بين المترجمين.

قواعد السطوة.. كيف تمسك بزمام القوة؟


ما رأيك في أن يختزل لك كتاب واحد ثلاثة آلاف عام من التاريخ الإنساني؟ هذا ما يفعله الكاتب الأميركي روبرت جرين في مؤلفه الأروع من بين كتاباته The 48 Laws of Power أو قواعد السطوة، أو كيف تمسك بزمام القوة، أو قوانين السلطة، أو 48 قانونًا للقوة.. حسب اختلاف التسميات بين المترجمين.

روبرت غرين (مواليد 14 مايو 1959) كاتب ومتحدِّث أمريكي اشتهر بكتبه حول النفوذ والاستراتيجيات والإغراء. ألّف خمسة كتب تُعدُّ من أكثر الكتب تأثيرًا ومبيعًا وهي: 48 قانونا للسلطة، وفن الإغراء، و33 استراتيجية للحرب، والقانون والإتقان.

كتابه الأول الأكثر دسامة، الصادر سنة 1998، كتاب موسوعي كبير، يقدّم خلاصة بحث موسع بقصص منتقاة عن كيفية اكتساب المرء للقوة، أو تفهمه لها من مختلف جوانبها أو حماية نفسه من عسفها وتسلطها أو الحفاظ عليها وممارستها بحكمة وتعقل، أو تحييدها لاتقاء شرّها.

منهج مشوّق


يبدو منهج الكاتب واضحًا للغاية، ومشوقًا في الوقت نفسه، يدلل على كل قاعدة من قواعده الـ­48 بأكثر من حكاية وتجربة يقول إنه جمعهم من كتب التاريخ. وتُطل قصص الكاتب على التجربة الإنسانية من أزمنة وأمكنة مختلفة تمتد من اليابان إلى بيرو، ومن بداية تدوين التاريخ إلى أيامنا هذه. وفيها دروس سلبية أو إيجابية يجمع بينها عنصر التشويق من جهة وتطبيقات في الحياة العملية على أرض الواقع من جهة أخرى، سواء أحبها المرء أو كرهها.

بعبارة أخرى، فإن تلك القواعد تعمل على تصوير ما حدث، وليس ما كان ينبغي أن يحدث، فهو وصف للبشر كما هم بالفعل وليس كما يتمنى المرء أن يكونوا عليه. إنه كتاب يتعامل مع الواقع، يناقض النظرة التقليدية للأخلاق التي لا ترى في أفعال الناس إلا الأبيض والأسود، فقواعد الكتاب يمكن أن تُستخدم للخير أو للشر، حسب عقلية كل قارئ.

يعرض المؤلف موضوعه بنص جريء وأنيق، مطبوع بالأسود والأحمر، ومُفْعم وطافح بخرافات وعبارات ذات نحت فريد، وإخفاقات لرموز تاريخية كبيرة مثل: الداهية الكبرى، الملكة إليزابيت الأولى وغيرها من الذين مارسوا القوة ببراعة أو وقعوا فريسة لها.

لماذا 48 قاعدة؟

لعل أول ما يمكن أن يثور في ذهن المتأمل لعنوان الكتاب، هو العدد الذي اختص به الكاتب قوانينه من أجل الوصول إلى القوَّة، فعلى عكس الشائع في مثل تلك الكتابات نحو النزوع إلى الأرقام المقفلة، لم يجد الكاتب غضاضة في الوقوف على حافة الـ 48 قاعدة، رغم أنه عاد وأفرد كتابا كاملا للقاعدة الخمسين التي رأى أنها أهم مما كتبه كله.

ولعل الإجابة عن سر اختياره هذه العدد، هو أنه كان دائما ما يرى المعارك الإنسانية كرقعة الشطرنج، فإذا تأملنا اللعبة وجدنا فيها ثمانٍ وأربعين خانة، وهي في علم السياسة ثمانٍ وأربعون قانونًا للقوة، لا يبدو ذلك تكهنا، فهذا ما قاله جرين بنفسه في أحد تصريحاته.

ميكافيلي جديد

ربما لو قرأ ميكافيلي هذا الكتاب لما كتب “الأمير” أبدًا.

يعتبر جرين أن الجهل بهذه القواعد سيسبب لك من الخسائر ما يصيبك باليأس والتحسر والغضب، وأن معرفتك بها ستفتح لك الطريق لتصحيح مسارك واكتساب مكانتك في كل تعاملاتك القادمة. يخبرك الكاتب بصراحة أنه لا يحمل منظومة أخلاقية واضحة، فالحياة صراع، والحرب خدعة.

لا تنتظر إذن من الكاتب أي توجهات أخلاقية، لأنه يعرض القواعد كما ستراها في الواقع بحيادية، وأحيانا بقسوة، إنه يعتبر أن عرضها بهذه الطريقة سيفيدك كثيرًا؛ لأنك -وإن لم تكن تستخدمها بطريقة تخالف أخلاقك ومبادئك- فستعرف على الأقل كيف يمكن للأخرين أن يستخدموها ضدك.

يقول جرين إنه لا أحد سيعيش بما يكفي ليتعلم هذه القواعد بنفسه، لذلك فقد استخدم أسلوبًا ينقل الواقع والتجارب في قصص حقيقية وأساطير تاريخية من هنا وهناك، ليخبرك في النهاية أن اكتساب مهارات السطوة يمكِّنك من أن تكون ما تحب أن تكون، ويكسبك تقدير واحترام أصدقائك وأحبائك.

قواعد السلطة

إن قواعد جرين الـ 48 ملهمة للغاية، ينطلق فيها بتفصيل علاقاتك بجميع من حولك في مضمار الحياة، لا سيما العملية منها، بدءا برئيسك المباشر وأصدقاء مكتبك، حتى الرأس الأكبر الذي وصفه بـ “صاحب كيس المال”، وهي تسمية تكشف لك كيف يفكر جرين، فرئيس الشركة ليس مالكها، وإنما من يملك مفتاح الخزانة.

يبدأ جرين بالأكثر أهمية مباشرة، لا تدفع رئيسك إلى الظل، تلك هي القاعدة الأولى، يجب أن يشعر من هو فوقك أنه الأعلى، وإن التمعت مواهبك أكثر من اللازم حصلت عكس المقصود. إنك بذلك توقظ مخاوفهم والشعور بعدم الأمان.

لا أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون في الصراعات، لذلك يوصيك جرين بألا تثق بالأصدقاء جدا وأن تبنِ جسرا مع الأعداء؛ لأن العدو يجب أنه يثبت لك دومًا أنه ليس بعدو، أما الصديق فقد ينقلب عليك ويخون وعلى نحو مدمر.

عليك أيضا -كما يرى جرين- أن تُبقي فمك مغلقا، حافظ دوما على نواياك السرية، لأن من لا يعلم بنواياك لا يستعد ضدها كما قد يندفع في طرق مضللة وعندما يظهر كل شيء للعيان يكون الأمر جد متأخر لعمل شيء.

حارب على سمعتك، فالإنسان كما يراه جرين يعيش على سمعته، يوصي بقوله: “احمها بكل وسيلة ممكنة، والسمعة النظيفة أحد أعمدة القوة، وبخسارتها تصبح قابلاً للنيل منك ومعرضا للهجوم من كل جانب، اجعل من سمعتك قوة غير قابلة للسحق، وانتبه لكل احتمالات الطعن وعالجها فورا وفي مكانها، وفي الوقت الذي تهدم فيه سمعة خصمك عليك أن تتأمل الجماهير بهدوء وهي تقاضيه وتقضي عليه”

اسع إلى التميز بأي ثمن، واجعل الآخرين يعملون لك وسجّل ذلك لحسابك، ودع الآخرين يأتونك، وإن تطلّب الأمر فألق إليهم بالطُّعم كي يقصدوك، وتجنب العدوى من التعساء وغير المحظوظين، واجعل الآخرين متعلقين بك، وجرّد خصمك من سلاحه، وتعاط كصديق وتصرف كجاسوس، ودمر خصومك على نحو كامل، ولا تحم نفسك بالتحصينات؛ فالعزلة خطيرة.

 نقد الكتاب

هذه وغيرها نماذج لما يوصي به جرين في كتابه، مع استعراض تاريخي دقيق يكشف لك كيف أن تلك القاعدة فاصلة في مسار حياتك، وأن إغفالها يضعك في مرمى الفشل والانهيار. تبدو قواعده لا أخلاقية، ولا يجد هو حرجا في ذلك، بل يوصيك دائما بأن تتجنب الالتزامات ما أمكن، وأن تتظاهر بالحُمق كي تخدع المغفلين وأن تقدم نفسك أنك غبي أكثر من ضحيتك، وتوفر طاقتك وتلعب دورك جيدا في الحاشية.

إن القواعد التي حددها المؤلف تُعلم الحاجة إلى التدبر والحصافة والحكمة والحذر، وفضيلة الحركة الخفية، وقوة الإغواء يتطلب منك الانضباط والدراية، وتوفر فهماً عميقاً لاستراتيجيات يتبعها الآخرون، وتوفر لك طرائق كي تتجنبها أو تتعايش معها، سواء أكنت في عملك، أم تنظر في علاقاتك مع الآخرين، أو كنت تسير على الطريق، أو تستمع إلى نشرة أخبار المساء، إنك ستجد تطبيقاً لهذه القواعد. وسواء أكنت تنزع إلى العدوان أم إلى الدفاع.

لكن رغم ذلك، فإن الكتاب يظل خطرًا لا سيما على أصحاب التجارب الناشئة وصغار الشباب، الذي لا تزال تتشكل ملامح أخلاقهم، إذ يبدو من الخطر بمكان أن يؤمن الصغار بمثل تلك القواعد في مقتبل العمر، رغم أن الكتاب يصنف مبيعاتيا ضمن تلك الفئة الحرجة.

ما بعد القوة

في النهاية، يفترض جرين أنك قد امتلكت القوة والنفوذ، أنت الآن رئيس شركتك أو مدير أعمالك، يخبرك جرين أن الناس يغيرون الأعراف التي ورثوها عن آبائهم باستمرار، وهذا التغير يوحي بالحيوية والنشاط، وما لا يتغير يتجمد في قوالب محددة متسمة بالموت. أصحاب السطوة غالبا ما يُظهرون في شبابهم قدرات إبداعية هائلة في ابتكار واقع جديد له أعراف اجتماعية مختلفة، ويكافئهم مجتمعهم المتعطش للتجديد بمنحهم السطوة. لكن غالبا ما تتعقد الأمور لاحقا حين يكبر هؤلاء ويميلون للجمود والحفاظ على ما تحقق لهم ويتخلون عن حلمهم بالتجديد.

إن تجمد أصحاب السطوة في قوالب الماضي يجعل استمرارهم هزليا كالثمار اليانعة التي آن لها أن تسقط. بالنهاية، يقول لهم الناس: ارحلوا عنا وأخلوا الساحة لآخرين غيركم أكثر شبابا وفتوة نشعر معهم بالأمل والارتياح. لذا لا تستمر السطوة إلا حين تكون مرنة. عدم الجمود لا يعني فقدان الهيئة، فلا يمكن لشيء أن يكون بلا هيئة.

تزداد حاجتك للمرونة بتقدمك بالعمر لأن الناس في كبرهم يميلون للجمود والتمسك بالطرق التي اعتادوا عليها؛ ولا يعني التكيف مع المواقف الجديدة ألا يكون لك رأيك المستقل وألا تخضع للنصائح التي يمليها عليك الآخرون. وإن أفضل شكل للتنظيم هو أن تظل مرنا ومسايرًا للتغيرات، فطرق النصر لا تتكرر بل تتغير باستمرار.. القوة العسكرية ليس لها تشكيل كما أن الماء ليس له هيئة دائمة، والقدرة على التكيف وتغيير الأسلوب مجاراةً للخصم هي ما نسميه العبقرية. 
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.