رحلتي من الإكس لارج إلى الميديام | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

رحلتي من الإكس لارج إلى الميديام


كانت رحلة شاقة وصعبة، يكفي فقط أن تقاوم رائحة الوجبات الشهية بمقر العمل طول اليوم، ورائحة بهارات الطعام في المسكن الخشبي بأعلى البناية.. والفراغ القاتل الذي لم يكن ليملأه سوى الانكفاء على الطعام.. والملل والاغتراب والوحشة التي لم يكن يعينك على احتماله سوى فتنة الشواء الشهي.

رحلتي من الإكس لارج إلى الميديام

 
للطعام في السعودية دسامة خاصة.. رائحة الشواء يمكن أن تطاردك في كل مكان.. الهدايا تنحصر في الانتقاء بين أنواع الولائم، والموائد الضخمة أفضل تحية يمكن أن يقدمها مضيف لضيفه.. هنا السعودية، بلاد الطعام الشهي، الكثير من الطعام.

المغتربون في المجتمع السعودي محرومون عادة من رفاهيات الحياة الأخرى.. والكفيل -أي كفيل- يضع على عاتقه مهمة إفساد أية متعة شخصية يمكن أن يحصّلها الوافد خارج أوقات الدوام.. ثمة ثقافة عمالية في السعودية تقول إن الوافد السعيد خطر يجب تنقية أمكنة العمل منه فورًا؛ كي لا ينشر العدوى بين نظرائه الوافدين.

في الثامن من يناير عام 2016.. خطوة خطوتي الأولى في المملكة.. لا تفاصيل كثيرة قبل المشهد الأخير.. لا وقت للعب الرياضة أو الخروج، الدوامات متصلة طوال اليوم، لا شيء للوافد سوى العمل والطعام.. فقط تسعة أشهر كانت كفيلة بأن أجد وزني يتضخم حتى اقترب من حافة التسعين.

أقمصة الـ اللارج لم تعد تناسبني، وملابس الكرة التي لم تخرج من الحقيبة سوى مرات لم تعد صالحة للارتداء.. أشياء كثيرة تتغير.. السمنة تمكنت من جسدي بشكل غير متوقع ولا مسبوق.. بدا لي أن علي أن أفعل شيئا حيال ذلك.

كان الوقت متأخرا بعض الشيء، ثلاثة أشهر فقط كانت باقية على انتهاء تعاقدي بالمملكة الذي عزمت على عدم تجديده، ونويت مغادرة البلاد فور بلوغ نهايته.. فهل تكفي ثلاثة أشهر للوصول بجسد يبلغ 90 كليوجرامًا إلى الوزن المثالي 65 كليوجرامًا؟

كان تحديا صعبا وكبيرا.. أحتاج لإسقاط نحو  25 كليوجراما في ثلاثة أشهر.. 12 أسبوعا فقط.. عقدت العزم على النجاح هذه المرة.. وصادف ذلك انتقالي للغرفة الوحيدة المستقلة في مسكن العمل (بعد جهاد استمر حتى قرب نهاية عقدي، والذي كانت تلك الحجرة على ما يبدو أحد مغريات دفعي لتجديده)، وقد كتب الله لرحلتي التوفيق..

في البداية، اشتريت جهاز جري كهربائي من الحراج (السوق المحلي للأدوات المستعملة)، بقيمة 100 ريال فقط، كان به مشكلة تسببت في انخفاض سعره، وهو أن زر تعديل السرعات لا يعمل، وكان الجهاز يدور منذ اللحظة الأولى على السرعة القصوى.. رغم ذلك اشتريته، لأنه كان الخيار الأكثر مناسبة ماديًا.

اشتريت أيضا كرسي تمارين للبطن بـ (50 ريالا) من الحراج، ومجموعة أوزان حديدية، وميزانا صغيرا، ووحدة قياس للأطوال، وجهازا صغيرا للأجناب والأرداف صادف وجوده عند البائع (أخذته كهدية فوق الباعة).. ولا شيء أكثر.

كل ذلك لم يكن ذا قيمة لولا الحمية الغذائية القاسية.. فقد توقفت تمامًا عن الأكل.. لم يكن يدخل حلقي يوميًا سوى علبة تونة بالماء حجم 80 جرامًا، وطبق كبير من السلطة بدون توابل.. وأكثر من عشر ربطات من الخس.. الكثير من الخس.

لم أكسر تلك القاعدة طول فترة الحمية، وكان برنامجي اليومي يتلخص في الجري على الجهاز الكهربائي أطول فترة ممكنة، لم تكن تقل عن نصف الساعة يوميًا.. مع تمارين مجدولة للبطن والأرداف والصدر والذراعين، وأحيانا الأقدام، من أجل الحفاظ على الكتلة العضلية أثناء عملية فقدان الوزن.

كانت رحلة شاقة وصعبة، يكفي فقط أن تقاوم رائحة الوجبات الشهية بمقر العمل طول اليوم، ورائحة بهارات الطعام في المسكن الخشبي بأعلى البناية.. والفراغ القاتل الذي لم يكن ليملأه سوى الانكفاء على الطعام.. والملل والاغتراب والوحشة التي لم يكن يعينك على احتماله سوى فتنة الشواء الشهي.

وقبل مغادرة المملكة، وبالتحديد في أبريل من العام 2017، كنت أقف على ميزان مراقبة الوزن وأنا أراقب مؤشر الأرقام وهو يتحرك ببطئ، مشيرا إلى تحقيق الهدف.. 64 كيلو جرامًا.

منذ تلك اللحظة، تغيّرت حياتي كليًا، لم يعد الطعام مهما بالنسبة لي، وصارت أي زيادة في وزني تمثل هاجسا طوال الوقت.. وتحول الإقلال في الطعام من حمية مؤقتة إلى أسلوب حياة عام، لم أتخل عنه حتى آخر مرة وزنت فيها نفسي قبل أسابيع، وكان مؤشر الوزن ما يزال يشير إلى 65 كيلو جرامًا.. ولا أنوى التخلي عن ذلك بسهولة أبدًا.
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.