الإخوان والانتخابات.. استفتاء لم يكتمل! | المدونة | عمار مطاوع

الإخوان والانتخابات.. استفتاء لم يكتمل!


كثير من شباب الإخوان لا يعرف علي وجه الدقة، متي بدأت الجماعة ممارسة العمل السياسي، ولا الدوافع التي اضطرت الجماعة لخوض ذلك المضمار .. وهل كان دخول العمل السياسي تطورا فكريا أم اضطرارا دخيلا .. وهل دخل الإخوان الانتخابات باعتباره أمرا عارضا أم أصلا سيلتزمه أبناء الجماعة حتي أستاذية العالم المنشودة..

الإخوان والانتخابات.. استفتاء لم يكتمل!

    ربما صار كافيا الآن أن تذكر اسم (جماعة الإخوان المسلمين) لتستدعي في خاطر السامع صورة فصيل "سياسي" عتيق.. لافتات المحليات.. وائتلافات البرلمانات.. وتجمعات النقابات.. واتحادات الجامعات.. حتي رئاسة البلاد.

    هكذا نشأ جيل إخواني فريد في نهاية الأمر، يعتبر العمل السياسي أصلا وأساسا .. جيل لا يكادون يجدون شبح انتخابات إلا ولا بد أن يخوضوها أو يدعموا فيها مرشحا..

    كثير من شباب الإخوان لا يعرف علي وجه الدقة، متي بدأت الجماعة ممارسة العمل السياسي، ولا الدوافع التي اضطرت الجماعة لخوض ذلك المضمار .. وهل كان دخول العمل السياسي تطورا فكريا أم اضطرارا دخيلا .. وهل دخل الإخوان الانتخابات باعتباره أمرا عارضا أم أصلا سيلتزمه أبناء الجماعة حتي أستاذية العالم المنشودة..

    ربما الإجابات التي يوردها أغلب شباب الإخوان لا تختلف كثيرا عن إجابة هؤلاء الذين غلبهم الاعتياد علي أن يفتحوا سجلات الماضي .. قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون..

    لكن وثيقة مهمة لم يطلع عليها أغلب شباب الإخوان تكشف كثيرا من ملامح هذه الصفحة من تاريخ الجماعة .. رسالة الانتخابات للإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله..

الرسالة كاملة في الموسوعة الإخوانية
عبر هذا الرابط

    كتب الشيخ البنا هذه الرسالة بتاريخ 2 شوال 1367ه الموافق 7 أغسطس 1948، ونشرت فى جريدة الإخوان اليومية فى العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه الموافق 5 سبتمبر 1948م..

    سبب كتابة هذه الرسالة أنه بعد انتهاء المؤمر السادس للإخوان المسلمين والذي عقد عام 1941م وكان من بين قرارته السماح للاخوان بدخول الانتخابات بصفة فردية، قرر الإمام حسن البنا خوض الانتخابات والتي ستجريها حكومة النحاس في العام التالي (عام 1942م) مرشحا عن دائرة الإسماعيلية..

    ورغم أن الشيخ البنا انسحب من هذه الانتخابات .. إلا أنه عاود دخولها مرة أخرى عام 1944م (أي بعدها بعامين) في الانتخابات التي أجرتها حكومة أحمد ماهر باشا .. غير ان الانتخابات زُورت من قبل الحكومة والانجليز لصالح سليمان عيد متعهد التغذية للمعسكرات الانجليزية..

    لكن، هل وقف عموم الإخوان صامتين أمام هذا التغير الجديد في عمل الجماعة ودعوتها وروحها؟ لقد كان ذلك هو أول اقتحام إخواني لميدان الانتخابات حسب اعتراف الشيخ البنا نفسه..

    الحقيقة، أنه اعترض عدد كبير من الإخوان علي هذا القرار باعتباره خروجا علي منهج الجماعة القديم، الذي حدد موقفه مسبقا من العمل السياسي، فضلا عن المآخذ الشرعية التي كان أبرزها أن المشاركة في خلافة الغرب (أي النظام الديموقراطي القائم علي أطلال الخلافة) إنما هو اعتراف بشرعية سقوط الخلافة وإيمان عملي بالمنظومة الوطنية الجديدة..

    ولعل هذا هو السبب الذي من أجله قرر الشيخ البنا أن يشرح للإخوان السبب الذي دفعه لأن يتخذ هذا القرار الخطير في مسار الدعوة .. لذلك كتب تلك الرسالة عام 1948م بعد أن زادت انتقادات عموم الإخوان لهذا الانحراف الخطير .. يبدأ الشيخ البنا رسالته فيقول:
        أيها الإخوان الفضلاء .. تعلمون تمام العلم أننا جميعًا حرصنا من أول يوم على قدسية الدعوة وطهر الجماعة وسمو الغاية واستقامة الطريق .. فلم نسمح لجماعتنا فى يوم من الأيام أن تكون أداة لحزب أو هيئة أو مطية لحكومة أو دولة أو وسيلة إلى مغنم مادى أو كسب سياسى .. ولهذا كان من القواعد الأساسية التى قام عليها بناء الجماعة ألا يخترق صفوفها أو يسجل فى أعضائها عظيم أو وجيه من الذين عرفوا بميولهم السياسية الخاصة أو نزعتهم الحزبية الحادة..

    هكذا يقرر الشيخ البنا منذ البداية أن استغراب قرار المشاركة في العملية السياسية لم يكن استغرابا مستهجنا، فلقد كان دخول الإخوان للعملية السياسية بدعة لم يعرفها هؤلاء النفر الأوائل من أبناء الرعيل المؤسس..

    ربما هذا هو السبب الذي دفع الشيخ البنا في الفقرة التالية إلي سرعة إقرار موقف الإخوان الرافض للمشاركة في العملية السياسية.. وأن قرار المشاركة إنما هو استثناء لأسباب سيشرحها بعدها.. وهكذا يؤكد الشيخ البنا أن الإخوان المسلمين (لم ولن) يكونوا طرفا في عملية سياسية أبدا .. يقول الشيخ:

        وما كان يدور بخلد واحد من أبناء الدعوة صغيرهم وكبيرهم أو يخطر ببال مؤمن بها فى أية شعبة من الشعب -ولن يكون هذا أبدًا بإذن الله- أن تسخر الدعوة المقدسة للوصول إلى حكم أو الحصول على غنم، أو مناورة حزب لحساب حزب، أو مناصرة فرد للنيل من فرد، أو لترجيح كفة هيئة على هيئة، أو لتدعيم مركز حكومة أو إلقاء الوقود فى تنور الفرقة والخصومة..

    لماذا إذن قرر الشيخ البنا دخول الانتخابات؟

    يجيب الشيخ عن هذا السؤال عبر استعراض الظروف التي كان الإخوان يعيشونها في ذلك الوقت .. وربما من المهم جدا استحضار شكل الحياة في هذا التوقيت لإدارك المبررات الحقيقية لخوض العملية السياسية.. يقول الشيخ:
        لقد ظل (الابتعاد عن العملية السياسية) هي القاعدة الأساسية للدعوة والدعاة مطبقة مرعية حتى أعلنت الحرب العالمية الثانية فى سبتمبر 1939م .. وحينها، أعلنت الأحكام العرفية فى مصر، وجاءت وزارة حسين سرى باشا، واشتد ضغط الإنجليز على الحكومة المصرية، لتقضى على نشاط الإخوان المسلمين، وتحل جماعتهم وتحارب دعوتهم..

    ويستطرد الشيخ بعدها في وصف التضييق الذي منيت به الجماعة في ذلك الوقت، فيقول:
        وكان من نتائج ضغط الإنجليز على الحكومة المصرية فى وزارة سرى باشا أن تعطلت اجتماعات الإخوان، وتوقفت نشاطهم، وروقبت دورهم، وغلقت صحفهم ومجلاتهم، ومنعت الجرائد جميعًا من أن تذكر اسمهم فى أية مناسبة، أو تشير إليهم بكلمة، وأغلقت مطبعتهم..

    ويضرب الشيخ البنا لذلك التضييق مثالا عاصره بنفسه، فيقول رحمه الله:
        أذكر أن المستر فيرنس، رقيب المطبوعات، كان قد منع طبع رسالة المأثورات منعًا باتًا .. فلجأنا إلى أحد المسئولين إليه الأمر، وقلنا: هذه آيات وأحاديث يقرأها الناس فى القرآن الكريم صباحًا ومساء، ويطالعونها فى كتب السنة متى شاءوا وكيفما أرادوا، فكيف تجيزون لأنفسكم هذا المنع ؟ .. وانتهى الموقف بأن سمح بالطبع، ولكن بشرط أن تمحى جملة "من رسائل الإخوان المسلمين" من العنوان الجانبى للرسالة، وإلا فهى ممنوعة!

    ولم يقف التضييق عند هذا الحد .. بل وصل إلي حد الاعتقالات أيضا.. فكان أول معتقل في عهد الإخوان، يقول الشيخ البنا:
        وضاعف الإنجليز ضغطهم، وضاعفت الحكومة شدتها، فكان أول نزيل لمعتقل الزيتون الأستاذ عابدين السكرتير العام حتى قضى فيه ستة أشهر أو تزيد، بعد نقل وتشريد ووعيد وتهديد..

    وهنا يكشف الشيخ البنا عن سر اتخاذ الإخوان قرار المشاركة في العملية السياسية.. فيقول بكل وضوح:
        كانت الملاحظة الواضحة الجلية أن المنفذ الوحيد للرأى، وأن المنبر الذى كانت تعلن فيه شكاية أهل الحق فى ذلك الوقت، كان منبر مجلس النواب الذى كانت الصحف لا تجرؤ حينذاك على التوقف عن نشر مضابطه، فكان ما ينشر من مناقشات المجلس هو البصيص الوحيد من النور الذى ينير الظلام أمام المكبوتين المضطهدين..

    العبارة السابقة هي الأخطر علي الإطلاق .. ربما هي تلخيص بليغ لنظرة الإخوان للعمل السياسي .. وربما تحمل إجابة قاطعة لسؤال لم يعد يدور في خلد كثير من شباب الإخوان هذه الأيام: هل كان العمل السياسي إذن أصلا وأساسا في فكر الإخوان؟ أم دخلوه مضطرين ليجدوا من خلاله فسحة تواصل مع المجتمع المسلم؟

    يجيب الشيخ البنا بشكل واضح:
        هذا هو الذى حذا بالمؤتمر السادس للإخوان -المنعقد فى يناير 1941- أن يصدر قرارًا خلاصته "الأذن لمكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بالتقدم بالأكفاء من الإخوان إلى الهيئات النيابية المختلفة، ليرفعوا صوت الدعوة، وليعلنوا كلمة الجماعة فيما بهم الدين والوطن" .. وكان هذا أول توجه من الإخوان المسلمين إلى اقتحام ميدان الانتخابات..

    ربما السؤال الأهم: هل لو كان الإمام البنا قد وجد من وسائل التواصل مع المجتمع مع يغنيه عن دخول الانتخابات، أكان سينسحب منها أم سيواصل خوضها؟

    يحمل لنا التاريخ الإخواني إجابة حاسمة .. فلقد انسحب الشيخ البنا بالفعل من هذه الانتخابات حينما منحته الحكومة المصرية وسائل اتصال أوسع حظا من سابقتها، وخففت بعض الضغط -وإن لم يكن كله- المفروض علي الجماعة..

    لم يكن العمل السياسي إذن أصلا في منهج الإخوان، بل جاء استثناء في ظروف تضييق، إنه بمجرد أن مُنح الشيخ البنا بعض مساحات العمل الدعوي، انسحب فورا من الانتخابات .. وعادت دعوة الإخوان من جديد لسابق عهدها .. لا سياسة!

    يقول الشيخ البنا عن تنازله في الانتخابات:
        وبهذا التنازل تفادينا الاصطدام فعلاً، وتمكنا من السير بالدعوة فى طريقها المرسوم رغم ما تجدد بعد ذلك من عقبات..

    وهنا يبرز سؤال: لماذا دخل الشيخ البنا الانتخابات مرة أخرى عام 1944؟

    يجيب الشيخ البنا عن هذا السؤال فيقول:
        بعد أن أقيلت وزارة النحاس باشا فى أكتوبر 1944، وجاءت وزارة أحمد باشا ماهر، وأمر بحل مجلس النواب .. بدأت حكومته إجراءات الانتخابات من جديد .. وهنا كان الإخوان أمام ما يأملون ويعلمون بالتجربة من أن (البرلمان هو الرئة الوحيدة للتنفس، واستنشاق بعض نسمات الحرية فى ظل الأحكام العرفية الخانقة) .. ولهذا كانوا يرون أنه لا بد لهم من التقدم إلى الترشيح من جديد..

    التضييق إذن هو السبب أيضا هذه المرة .. لم يكن دخول الإخوان إذن للعمل السياسي أصلا وطريقا لتغيير المجتمع كما يدعي كثير من الإخوان هذه الأيام .. لقد كان دخول الانتخابات دائما يأتي كاستثناء في محاولة للفرار من حصار الحكومات المصرية..

    وهنا علينا أن نسأل: لو توفرت للإخوان فرص واسعة للتواصل مع المجتمع، فهل يشترط ساعتها أن يخوضوا الانتخابات؟ أم أن الأصل أن يكملوا طريق دعوتهم الذي تعاهدوا عليه أول مرة بأن الجماعة لا تشارك في العمل السياسي كما قرر الإمام البنا نفسه؟

    وربما علينا أن نسأل أيضا: بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وانفتاح الإخوان علي المجتمع، هل كان قرار إنشاء حزب رسمي للجماعة صحيحا؟ .. وهل كان الترشح بأغلبية في برلمان الكتاتني صحيحا؟ أم كان يكفي أن يترشح الإخوان بنصيب الثلث المعطل للقرارات دون أن يكون البرلمان إخوانيا أمام الناس؟ أم كان عليهم أن يعتزلوا العمل السياسي ويكتفوا بما منحتهم الثورة من مساحات عمل تغنيهم ألف مرة عن خوض مسار الانتخابات؟

    تُرى لو كان الإمام البنا يمتلك ما كان يمتلكه الإخوان بعد الثورة من حرية، هل كان سيترشح عن دائرة الإسماعيلية؟ .. لماذا ترشح الإخوان إذا عن كل دوائر الجمهورية؟ وما هو الاستثناء الذي دفعهم لهذا؟ .. أم أن الزمان جعل الاستثناء أصلا .. وصار العمل السياسي أساسا .. وليس هروبا من التضييق الأمني كما كان في عهد الإمام المؤسس؟

    بكل وضوح، يقرر الشيخ البنا في رسالته أن الإخوان دخلوا باب العمل السياسي (مدفوعين إليه) لا مختارين راضين.. فيقول رحمه الله:
        لقد أقدمنا على هذا الميدان مخلصين كل الإخلاص .. (مدفوعين إليه) .. بحب الخير، والحرص على المصلحة، والغيرة على الدعوة المقدسة

    والأخطر من هذا كله، فقرة قالها الشيخ البنا في الرسالة يتحدث فيها عن مبدأ قريب الشبه بتأسيس حزب الحرية والعدالة .. يقول الشيخ رحمه الله:
        محظور أن تستخدم دور الإخوان لدعاية انتخابية، أو أن يظهر خطباؤهم ورؤساءهم والبارزون منهم فى الحفلات التى تقام لهذا الغرض إلا بصفتهم الشخصية..

    فكيف لو عرف الشيخ البنا أن جماعته أنشأت حزبا سياسيا، وكتبت علي لافتاته: حزب أنشأه الإخوان المسلمون لكل المصريين!

    ولربما يلحظ قرائ رسالة الشيخ نبرة الأسى التي اكتست بها كلماته وهو يسطر ردة فعل كثيرين من العوام الذين رددوا ما تناقلته صحف الوفد والإنجليز حول انحراف دعوة الإخوان .. وهذا ما يثبت بالفعل أن الناس كلها وقتئذ كانت تعرف عن الإخوان أنهم لا يعملون بالسياسة.. يقول الشيخ البنا:
        ما كان يدور بخلدنا، أو يخطر ببالنا، أن يتصور فرد واحد ما تقوله الناس بعد ذلك من أن هذا انحراف إلى الحزبية السياسية البغيضة .. وأنه استغلال للدعوة من أجل لوصول إلى الجاه الدنيوى والحكومى .. وأن الإخوان بعد أن كانوا دعاة دين قد أصبحوا محترفى سياسة .. وأنهم بذلك ينافسون الأحزاب القائمة ويناوئونها ويخاصمونها .. هذه التى ما كانت تخطر لنا ببال!

    إن العارفين بطريقة الشيخ البنا في الكتابة، يعرفون جيدا أنه لا يسكت عن شبهة إلا ويرد عليها باستطراد طويل .. ربما ليس من عادته إذن أن يجيب عن شبهة خطيرة بقوله (حسبنا أننا ما قصدنا إلا الخير) .. كان هذا رده علي تلك الملاحظة التي ترددت علي لسان كثير من المخلصين من أبناء الدعوة إذ ذاك.. وهي أن منهج الإخوان يفترض أن يتكون الفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم .. وساعتها سيختار هذا المجتمع حكومة مسلمة .. فالتغيير إذن لا بد وأن يكون في قطاعات المجتمع حتي تتأسلم .. وبعدها ستنتقل هي (بمرشحي الإخوان أو بغيرهم) إلي مرحلة الحكومة المسلمة .. وليس العكس .. يقول الشيخ البنا:
        ويقول بعض الخلصاء: إنكم تعجلتم الأمر قبل الأوان، وكان عليكم أن تنتظروا فترة طويلة حتى يتم النضج الشعبى، ويكتمل الوعى القومى، وحينئذ تكونون المطلوبين لا الطالبين والمدعوين لا الداعين .. وسواء أكان هذا القول صحيحًا أم مبالغًا فيه، فحسبنا أننا ما قصدنا إلا الخير..

    كيف إذن نستطيع أن نفهم دخول الإخوان في مرحلة (الحكومة المسلمة) بعد الثورة، دون أن تستقر مرحلة المجتمع المسلم؟ .. كيف كانوا ينتظرون من الشعب أن يصبر معهم وأن يفهم ما يحاك ضد دعوتهم من مؤامرات؟ .. لماذا إذن وضعنا هذا الترتيب ما دمنا لن نلتزم به؟ .. وهل المبررات التي تقول بأن الإخوان (اضطروا) بعد الثورة لدخول مرحلة الحكومة المسلمة مقنعة؟ .. وماذا بعد أن فشلت؟ .. هل سيقولون (حسبنا أننا ما قصدنا إلا الخير) .. أيضا !؟

    نعود لرسالة الشيخ البنا .. فبعد أن شرح مبررات الدخول للانتخابات، واعترف أنها كانت استثناء وليس أصلا .. وأن الأصل أن الإخوان بعيدون عن العمل الحزبي ..يعرض الشيخ البنا علي عموم الإخوان إجراء استفتاء عام حول العمل السياسي، فيقول:
        أقترح أن ننتهز الفرصة، ونوجه إلي الإخوان وإلى من شاء أن يدلى بدلوه فى الدلاء، هذا الاستفتاء:

        هل يحق للإخوان المسلمين الابتعاد عن الانتخابات الحزبية، أم أن الخير للدعوة وأبنائها فى اقتحام ميدان الانتخابات النيابية والتمثيل فى هذه الهيئات الرسمية؟ .. وإذا كنت ترى ألا يتقدم الإخوان إلى الانتخابات، فهل لهذه الدورة فقط أم فى كل الحالات والدورات؟ .. وإذا كان من رأيك عدم التقدم، فهل تجيز أن يتقدم من شاء من الترشيح مستقلاً بصفته الشخصية لا بسمعته الإخوانية؟

        وأقترح أن ترسل الإجابات باسم اللجنة السياسية من الآن .. ومن ثم تقوم اللجنة بفحص الردود وكتابة تقرير وافٍ بنتيجة الاستفتاء..

    ولقد بدأت الرسائل تنهمر علي الشيخ البنا .. لكن ماذا كانت نتيجة الاستفتاء؟

    لقد نشرت جريدة الإخوان رسالة الإمام البنا التي دعا فيها للاستفتاء يوم 5 سبتمبر 1948م .. ولكن لم تخرج النتيجة أبدا..

    لقد كان اجتماع الهيئة السياسية التي من المفترض أن تعلن نتيجة الاستفتاء مقررا في شهر ديسمبر (المحرم هجريا) .. لكن اغتيال النقراشي وبعده حل الجماعة الذي كان في 8 ديسمبر 1948م أوقف كل شيء..

    ثم كانت الفاجعة التي أنهت الأمر برمته .. وبالتحديد في يوم 12 فبراير 1949م .. تم اغتيال الإمام البنا رحمه الله!

    لا أحد علي وجه الدقة يعرف الآن ما الذي حدا ببعض مرشحي الإخوان بدخول انتخابات العام التالي لاغتيال الإمام البنا (انتخابات 1950) .. وهل كان دخولهم بناء علي اطلاع علي نتائج الاستفتاء، أم باعتبار آرائهم الخاصة؟ .. ومن المسؤول عن تعميم الرأي القائل بدخول الانتخابات كأصل وأساس في دعوة الإخوان؟

    علينا إذن أن نعيد تقييم كل شيء من جديد .. ليس معني أن الجماعة اعتمدت دخول الانتخابات بقوة الواقع أن نقر بهذا الاختيار مضطرين .. من حقنا أن يتوقف كل شيء لنعيد ترتيب فسيفساء الصورة من جديد..

    علينا أيضا ألا نُغفل أمرا مهما جدا .. وهو امتلاك الإخوان وقتئذ لجناح عسكري منظم وسري .. ذلك الجناج الذي كان قادرا علي الحفاظ علي مكتسبات الإخوان الديموقراطية إن حاول أحد الانقلاب عليها .. تماما كما فعلت حماس في الحسم العسكري في غزة حين حاولت فتح بمساعدة الاحتلال الانقلاب علي حكومتها..

    فهل غياب التنظيم الخاص سيؤثر أيضا في تقييم المشهد؟ .. وهل نموذج حماس الذي عمل بالديموقراطية ولكنه في الوقت نفسه استطاع أن يحمي نفسه من البطش، سيوضع في الحسبان عند التقييم؟ .. وهل نموذج إخوان مصر الذين عملوا بالديموقراطية وكسبوا كل المناصب .. ثم في لحظة انهار كل شيء دون مقاومة حاسمة منهم .. وانتهت مقاومتهم السلمية الضعيفة بمجزرة في فض رابعة؟

    أليس هذا كله مهما في تقييم مسار الجماعة؟ .. هل لدينا الشجاعة الكاملة للقول بأن العمل السياسي انحراف في تاريخ تلك الدعوة؟ .. أم أن التعود علي خوض الانتخابات سيقف حائلا أمام محاولة إكمال استفتاء الإمام الذي استشهد قبل إعلان نتيجته؟

    علينا إذن أن نكمل الاستفتاء من جديد .. ولنعد من جديد لنقطة الصفر .. ولنسأل أنفسنا نفس السؤولات التي سألها الشيخ البنا في استفتائه القديم:

        هل يحق للإخوان المسلمين الابتعاد عن الانتخابات الحزبية، أم أن الخير للدعوة وأبنائها فى اقتحام ميدان الانتخابات النيابية والتمثيل فى هذه الهيئات الرسمية؟ .. وإذا كنت ترى ألا يتقدم الإخوان إلى الانتخابات، فهل لهذه الدورة فقط أم فى كل الحالات والدورات؟ .. وإذا كان من رأيك عدم التقدم، فهل تجيز أن يتقدم من شاء من الترشيح مستقلاً بصفته الشخصية لا بسمعته الإخوانية؟


شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.