إسراء.. يا إسراء! | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

إسراء.. يا إسراء!


شهقة صدمة تحيل لون الموقع الأزرق شاحبا قبل أن يستوعب بعضهم أن الأمر قد حدث، إسراء!؟.. لماذا؟.. ما الذي تحمله غير كاميرا تصور بها أفراح صديقاتها وأعياد ميلاد أقاربها؟.. ثم إنها مصابة، بالكاد تستطيع الوقوف علي قدميها؟ هل كانت تخطط مع عمرو وصهيب لعملية إرهابية كبرى؟ تلك القعيدة!؟

إسراء.. يا إسراء!

في يوم واحد، كنتُ أشارك مجموعات الأسرى الفلسطينيين احتفالا بخروج الأسيرة الفلسطينية بشرى الطويل، قبل أن ألمح منشورا تائها يتحدث خفية عن اختفاء إسراء الطويل، المصرية، في مطعم بالقاهرة، رابط عجيب استقر في نفسي بين الفتاتين ذوات الاسم الواحد والعمر الواحد والمصيبة الواحدة، صرتُ لا أذكر اسم واحدة منهن حتى تقفز الأخرى وحدها إلي مخيلتي دون إذن.

إسراء إذن مختفية حسب المنشور، ربما فقدت هاتفها، أو فقد هو طاقة بطاريته، ربما سافرت عبر آلة الزمن إلي عصور أخرى، وستعود بعد قليل، أو ربما خطفها طبق فضائي طائر.. أي شيء قد يحدث.. المهم، أن احتمال "اعتقالها" لم يكن واردا على الإطلاق.. ما الذي يدفع "دولة" تزعم خوضها حربا طاحنة، لاعتقال فتاة مثل إسراء؟

لم يمر كثير من الوقت حتى تحول المنشور المتواري علي استحياء إلى بركان انفجر في رئيسية الفيسبوك، إسراء مختفية حقا، إسراء مختفية، صهيب أيضا يا شباب، وعمرو، كانوا الثلاثة معا، صهيب مطلوب؟، ربما رصدوه؟، هل تواصل أحد منهم مع أهله؟.. لحظة يا شباب.. إسراء تم اعتقالها!

شهقة صدمة تحيل لون الموقع الأزرق شاحبا قبل أن يستوعب بعضهم أن الأمر قد حدث، إسراء!؟.. لماذا؟.. ما الذي تحمله غير كاميرا تصور بها أفراح صديقاتها وأعياد ميلاد أقاربها؟.. ثم إنها مصابة، بالكاد تستطيع الوقوف علي قدميها؟ هل كانت تخطط مع عمرو وصهيب لعملية إرهابية كبرى؟ تلك القعيدة!؟

يحاول أحدهم أن يطمئن نفسه قبل الجميع، يا شباب، اطمئنوا، ستخرج فورا، ربما هو اشتباه، أو "رخامة" من ضابط، مستحيل أن يتم فتح محضر، ما التهمة التي سيوجهونها لفتاة مريضة وشابين يتناولان طعاما في زاوية مطعم!؟

لم أنشر عن اعتقالها شيئا، هكذا جرت العادة في ملف الفتيات، لا ننشر عن الفتاة في اللحظات الأولي لاعتقالها، لعلها تخرج سريعا، وأحيانا يتسبب النشر في ضرر للفتيات، خصوصا وأن صفحات معينة صارت مرصودة من الداخلية بشكل كبير، قد تكون صفحتي واحدة منها.

مر يوم، أخت إسراء تكتب عبر فيسبوك أنهم لا يعرفون شيئا عن مكان إسراء، وأن جميع الجهات المعنية تنكر وجودها هناك!.. إسراء ليست معتقلة إذن، إسراء مخطوفة!.. تعود شهقة الصدمة إلي الكوكب الأزرق من جديد، قبل أن سيتوعب أحدهم الأمر، ليقول في وثوق: إنها بشرة خير، هذا يعني أنها ستخرج قريبا، لأنهم لا يجدون لها تهمة!

كنتُ أنا أيضا من أنصار هذا الرأي، لا داعي للنشر حتى لا نضرها أكثر، ساعات وستخرج، مثلها مثل عشرات الفتيات اللاتي اختفين قسريا لساعات قبل أن يظهرن، مأساة أن نألف الأمر حتى نعتاده، لكن لا بأس، هي مريضة، هي بالذات لا يمكن أن تبقي أكثر.

خاب ظني، مر أسبوع،  إسراء غائبة، والدها يكتب منشورا يهدد فيه الجميع، أعلم أن والدها لا يملك من الأمر شيئا، لقد ضاق ذرعا إذن، هذه صرخة قبل أن تكون تهديدا، الأمر خطير، إسراء قد لا تظهر مجددا، مثلها مثل علا عبد الحكيم التي غابت عن منزلها من أمام جامعة الأزهر في مدرعة للشرطة قبل 300 يوم، ولا تعلم والدتها عنها شيئا حتى الآن.

في مجموعة حقوقية، كتب أحدهم: يا شباب، موضوع إسراء كده بقي خطير جدا، البنت مش عارفين لها طريق جرة، كنا بنقول ساعتين وتخرج!.. يجيب آخر: على فكرة أنا رايح بكرة أحضر عرض نيابة في أمن الدولة، هأحاول أسأل عليها، أكيد لو هناك حد هيقول، دي بنت، ومريضة!

تلمح زينب أبو رعونة طيف إسراء في سجن القناطر بعد قرابة أسبوعين من الاختفاء، تعود لتكتب أنها شاهدت إسراء، وكلمتها، إسراء في سجن القناطر.. في اليوم التالي، يؤكد المحامي حليم حنيش إنها توهمها في نيابة أمن الدولة، وكانت ترتدي زي السجن، أي أنها وصلت إلي القناطر، هذا تأكيد جديد.

الداخلية لا تزال تصر علي أن إسراء غير مختطفة، أو على الأقل، ليست في حيازتهم.. المحامي لم يستطع أن يلمح الاتهامات التي وُجهت إلى إسراء، هل سنستيقظ في الصباح على خبر تزعم إسراء لخلية إرهابية تستهدف زعزعة البلاد واستقرار الوطن؟.. في بلادنا لا شيء يمكن استغرابه الآن.

أخيرا، تكتب شقيقة إسراء أنها تمكنت من زيارتها للمرة الأولى، إسراء مستاءة جدا، تسأل عن قطتها، عن صهيب، وعمرو، تضحك حين تتخيل صورتها وعليها: الحرية للحرائر، تغضب إسراء على ما يبدو من هذا المصطلح كثيرا.. تستكين أختها أمامها لتسمع منها تفاصيل ما حصل..

(1) بيننا صديق لا يعرف الكلل.. مخلص رقيق إن قال فعل

يوم الإثنين 1 يونيو كانت جلسة صهيب، بكلم عمر في التليفون بحكيله خايفة على صهيب وياريت لو كنت اقدر اشيل عنه .. عمر يحكيلي

فرد عمر:" لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وكل واحد وقدَره وملناش غير اننا نقف جنبه.. يلا نتفسح.. هخلص شغل وننزل نركب خيل".

(2) In Time

في نفس اليوم الصبح عمر حكالي اشوف فيلم In Time ، وكنت بحكي مع عمر ان الحمد لله اننا منعرفش الغيب ولا هنموت امتى ولا ايه اللي هيحصل وحاولت اتخيل لو كنت اعرف كنت اترعبت .. واحنا راكبين الخيل سرحت .. عمر سألني سرحانة في ايه .. وكنت بفكر خايفة الوقت يخلص واحنا مع بعض

(3) العشاء الأخير ..

بعد الخيل انا وعمر محتارين نروح ناكل فين.. من اكتر الحاجات الي بحبها في عمر انه بيحب يجرب الأكل الجديد .. كل أسبوع لينا نجرب مكان جديد على الأقل.. هو مكانش أكل في تشيليز قبل كدا وأقرب فرع في نايل سيتي الزمالك .. قعدنا وطلبنا الأكل وكنا مبسوطين .. صهيب بيتصل على عمر : انا جاي .. أكل سلطة بس .. خرجنا لقينا مراية وقفنا نتصور فيها احنا التلاتة .. اتصورنا كتير .. صهيب وقف يصلي العشاء .. خلص.. خرجنا .. 3 رجالة بيوقفونا .. بطاقاتكو .. موبايلاتكو .. اركبوا الميكروباص دا.. فكرت الأول اننا بنتخطف .. حاولت كتير أقولهم عايزة أكلم أهلي بس مفيش فايدة .. ببص ورايا لاقيت صهيب وعمر متغميين.. سألت اللي شكله كبير فيهم هوا حضرتك أستاذ مين؟ قال حسام فرج .. طب ال title بتاعك ايه؟ .. ضحك وقال انا ظابط واقعدي ساكته .. دقيقتين وطلب مني اغمي عيني بطرحتي .. بس الطرحة قصيرة .. صهيب قلع تي شيرت وقالله اديهولها تغمي عينها بيه.

(4) 15 يوم في أمن الدولة ..

تحقيقات .. أصوات التعذيب .. الرجالة بتصوت .. صهيب وعمر مشيوا .. انا لوحدي .. مفيش بنات تانية هنا .. 15 يوم عيني متغمية .. تهديدات .. رعب .. مش عارفة أحكي ازاي.. مش قادرة أحكي لكنها تجربة مرعبة.. أول خمس أيام فضلت كل يوم أقول لنفسي انهم هيروحوني النهارده .. سادس يوم فقدت الأمل .. طول الوقت عياط .. كنت حاسة ان كل دا مش حقيقي.. كأنه عذاب القبر .. مش عارفة .. كنت هتجنن على أهلي .. بابا وماما حصلهم حاجة .. وادعي .. وادعي مكنش عندي غير الدعاء والعياط .. مش عارفة أحكي ..
في اليوم الخمس عشر خرجوني على عربية الترحيلات .. لقيت نفسي في نيابة أمن الدولة العليا .. 18 ساعة متواصلة تحقيق في حياتي كلها .. وانا مش فاهمة اي حاجة من اللي بيحصل .. بقالي 16 يوم ماستحمتش .. ورجلي مش قادرة تشيلني بسبب اصابتي اللي مخفتش منها (اتصابت برصاصة يوم 25 يناير 2014 جزء منها دخل في عمودي الفقري سببلي شلل مؤقت لسه بعاني منه بمشي بعرج) .. أرجوك عايزة أكلم أهلي بس .. وكيل النيابة يقولي هتروحي السجن النهاردة وهنكمل تحقيق بكره

(5) سجن القناطر ..

أنا لابسة بنطلون وبلوزة وكارديجان وطرحة قصيرة ومخطوفة مع اتنين ولاد .. التهم الموجهة ليا الانضمام لجماعة الاخوان.. امداد الجماعة .. فبركة الأخبار خارج وداخل مصر .. ايه الجنان ده؟ هوا انا مين اصلا ؟!! طب الحاجات دي كلها محصلتش ومفيش أي حاجة عليا .. دخلت السجن .. أول مرة أشوف ناس كتير وستات كتير .. ودوني عنبر "الايراد الجديد" .. معيش هدوم غير الجلابية الحقيرة بتاعت السجن اللي وكيل النيابة بعد كدا قاللي اسمها "الشُلّ " .. مبطلتش عياط ومش ببطل .. أنا ضعيفة جداً في الحقيقة وطول الوقت بعيط .. عادي .. الدموع جميلة..
أنا جالي جرب 17 يوم ماستحمتش .. أهلي عرفوا اني في سجن القناطر وجولي تاني يوم الموافق واحد رمضان .. الحمدلله .. الحمدلله .. الحمدلله .. كإن ربنا أحياني من القبر .. فضلت أعيط بعدها وأقول آمنت بالله .. احساس غريب .. كإني خرجت من القبر فعلا .. السجن مرعب .. عالم تاني .. اللي جايين مخدرات ودعارة وآداب ونشل وأموال عامة .. أشكال عجيبة وقصص عجيبة كإنهم وحوش .. كل الناس بتفتن على كل الناس .. وكلهم عايزين مشاكل لبعض وبيكرهوا بعض .. وكل الستات بتدخن .. ايه دا؟! 
السجن وحش اوي اوي اوي .. انا بكره السجن .. لما اتعب بنام واصحى مفزوعة انا فين؟! باحس طول الوقت انه كابوس.. ازاي أنا جيت هنا وازاي كل دا حصل وبيحصل؟ انا عايزة اروح لماما وبابا .. قعدت 9 ايام في الايراد بعد كدا ودوني زنزانة الاخوان .. معروف ان انا مش اخوان ولا اي حد من عيلتي .. المهم ان محدش بيدخن في الزنزانة عشان كنت بموت من السجاير في الايراد .. الزنزانة معفنة مليانة صراصير .. كل حاجة صعبة اوي .. البيت وحشني .. عيلتي وحشتني.. اصحابي وحشوني .. غرفتي وحشتني أوي .. انا عايزة اروح البيت

(6) وتهدينا الحياة اضواء في آخر النفق .. تدعونا كي ننسى ألمًا عشناه

انا مش عارفة ايه اللي بيحصل .. بس كل يوم وكل وقت بدعي .. ربنا كريم .. انا زعلانة جداً من مصر.. في كل حاجة .. بس كل يوم في السجن مستنية يقولولي يلا هتروحي البيت النهاردة .. عشان انا زعلانة جدًا بجد .. يارب الكابوس دا يخلص .. أنا ضعيفة في الحقيقة ومبعرفش أكتب .. بس عايزة أحكي مع اني مش فاهمه حاجة من اللي بيحصل كله بس انا مستنية حاجة تفرحني .. يارب .. وأنا بحب بابا وماما واخواتي .. وبحب أصحابي جدًا جدًا .. يارب كل حاجة تبقى كويسة.

(7) إخلاء سبيل

دلوقتي وانا بكتب جه خبر اخلاء سبيل سمر النجار وطنط فريدة .. انا فرحانة وحاسة اني هخرج قريب .. الحمد لله كتير وعقبالي .. كفاااااية شقا بقى . * آه صحيح.. اي حد هيقول عليا من "الحرائر" وحيات أمي مش هيحصله طيب لما اطلع .. بس كدا ".
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.