أن تكون أختك معتقلة - لقطة من زيارة سجن القناطر | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

أن تكون أختك معتقلة - لقطة من زيارة سجن القناطر


هكذا ترامت إلي مسامع أمي كلمات أختي وهي تحيي صديقتها المسجونة الجائية في العنبر المجاور، بينما كانت أختي في طريقها إلي قفص الزيارة الأسبوعية.

أن تكون أختك معتقلة - لقطة من زيارة سجن القناطر

"صباح العسل يا بت يا كالوشة"

هكذا ترامت إلي مسامع أمي كلمات أختي  وهي تحيي صديقتها المسجونة الجائية في العنبر المجاور، بينما كانت أختي في طريقها إلي قفص الزيارة الأسبوعية.

وفي لحظة واحدة .. تسترجع الأم المصدومة صورة طفلتها وهي تتعلق بملابسها في رعب حين رأت صرصارا في زاوية البيت!

كم تغيرت دارين جدا !

آه .. نسيت .. دارين هي أختي .. طالبة أزهرية مسجونة بسجن القناطر الخيرية .. تهمتها الشروع في تفجير محكمة وقيادة تظاهرات جامعة الأزهر والاعتداء علي ضابط شرطة مسكين والانضمام لتيار إرهابي محظور..

"مين كالوشة دي يا دارين!؟" .. سألتها أمي وهي تحاول أن تخفي صدمتها من أصدقاء أختي الجدد!

تجيبها أختي في تلقائية: كالوشة دي بنت متهمة إنها قاتلة أبوها ومشوهة وش أختها .. بس بنت غلبانة قوي يا ماما .. الزيارة الجاية هأعرفك عليها إن شاء الله .. هتفرح قوي بيكي .. نفسها تشوفك .. أنا بأحكيلها عنك كتير!

تسألها أمي في خشوع محاولة إخفاء نبرات الاعتراض: هما دول صاحباتك الجداد يا دارين!؟

تنتبه أختي أخيرا أن أمي غريبة عن مجتمع السجن .. تحتاج إذن بعض الإيضاح..

ماما .. أنا متهمة في تفجير محكمة .. بذمتك يعني دي تيجي إيه جنب واحدة كل اللي عملته إنها قتلت واحد بس! .. مجرد واحد!

ربما لا تتذكر أمي الآن أنها أجابتها بصوت متهدج: تفجير محكمة إيه يا دارين !! .. إنتي إيه اللي جرالك!؟ .. أوعي تفكري إن الظلم هيفضل علي طول .. بكرة تخرجي يا حبيبتي .. إنتي مظلومة .. وربنا ما بيسيبش مظلوم..

- مش القصد يا ماما .. قصدي يعني إن هنا في السجن أوعي تاخدي باللي مكتوب في المحاضر .. شايفة البنت اللي هناك دي؟ .. اللي لابسة نضارة ومعاها صنية الشاي دي؟

دي يا أمي اسمها رانية .. متهمة بالاتجار بالمخدرات .. وواخدة 12 سنة سجن .. عارفة دي يا ماما؟ .. والدها كان مديون لواحد من كبارات البلد .. ومعرفش يسد دينه .. قام الراجل واخد بنته وملبسها قضية مخدرات .. رانية يا ماما كانت في كلية هندسة!

لم تعلق أمي .. ولم تنتظر أختي أيضا أن تسمع تعليقها.. أكملت في تفاعل..

كالوشة مثلا .. اسمها إيمان .. السجن كله عارف إنها مظلومة .. حتي السجانة نفسها .. تعرفي إنها لما بدأت تصلي معانا .. نقلوها عنبر تاني عشان تبعد عننا؟

استسلمت أمي .. واستكانت كطفلة تستمع إلي جدتها الحكيمة.. أما أختي فقد انعقد حاجبيها كأنها تلخص حكمتها في فقرة واحد..

بصي يا ماما .. مش هما كانوا بيقولوا: ياما في السجون مظاليم؟ .. أنا من اللي شوفته جوه بقي عندي قناعة إن المثل ده لازم يتغير .. كل اللي في السجون مظاليم .. كلهم مظاليم حتي اللي عملوا جرايم .. كل واحدة منهم عندها ألف مبرر ومبرر لو عرفتيه هتعذريها .. لكن المجرمين الحقيقيين ما بيتسجنوش .. في مصر مافيش مجرم بيتسجن!

كادت أمي أن تجيب .. لكن صوت سادن الزيارة جاء قاطعا كل رجاء .. يلا يا أنسة .. يلا يا أستاذة .. الزيارة انتهت!

اختصرت أمي إجابتها في جملة واحدة .. هنكمل كلامنا الزيارة الجاية يا دارين .. خلي بالك من نفسك .. مع السلامة يا بنتي..

- مع السلامة يا ماما .. مستنياكي!
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.