ضريبة الكلمة بين غازي حبيبة وهشام الجخ | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

ضريبة الكلمة بين غازي حبيبة وهشام الجخ


غازي حبيبة، وهشام الجخ.. شاعران مصريان متقاربان في العمر متطابقان في التجربة والآراء، برزا مع أحداث الثورة المصرية، وظل قلمهما يواكب الأحداث يوما بيوم.. يتقدم أحدهما مرة ويرجع مرة.. لم يكونا في سباق، لكنهما في النهاية ولدا في رحم تجربة واحدة تؤهلهما للمقاربة.

ضريبة الكلمة بين غازي حبيبة وهشام الجخ

كم تحفظ سجلات التاريخ من حالات تطابق تكاد تكون مستنسخة في مقدماتها، بشكل يغري أي مراقب كي يحسم بوثوق أن نهايتها ستكون متطابقة أيضا، قبل أن تنقلب الأحداث عند المشهد الأخير؛ فتجيء النهاية مغايرة تماما.. تماما!

غازي حبيبة، وهشام الجخ.. شاعران مصريان متقاربان في العمر متطابقان في التجربة والآراء، برزا مع أحداث الثورة المصرية، وظل قلمهما يواكب الأحداث يوما بيوم.. يتقدم أحدهما مرة ويرجع مرة.. لم يكونا في سباق، لكنهما في النهاية ولدا في رحم تجربة واحدة تؤهلهما للمقاربة.

سبقت خطوات الجخ الصعيدي نظيره المنوفي في الشهرة والتصدر بعد مشاركته في مسابقة للشعر العربي.. لكن بيد أن أسباب أخرى عطلت غازي عن أن يجاري تصدر هشام.

كان غازي حاد اللغة جريء الألفاظ والعبارات، لا تكاد تقرأ سطرا واحدا من شعره العامي إلا وتقع عينك على سبابه وسخطه العنيف، الأقرب إلى صرخات الغضب وهتافات المعدمين.. حتى لقد أعيا صاحب التدوينة البحث عن أبيات يمكنه أن يستشهد بها دون أن تعرض تدوينته لمراجعة ذوق القاريء.

بشكل عام، لم يكن شعر حبيبة من ذلك النوع الذي يصلح لأن يُتداول إعلاميا، وما كان ليملك روح اللياقة التي تؤهله كي يصبح ضيف الشاشات، فإذا بالسبق الإعلامي من نصيب الديبلوماسي هشام، والحدة واللذاعة من نصيب حبيبة.

على المستوى الشعري، بدا الرجلين متقاربين في المستوى النظمي، إلا أن حبيبة بدا أكثر سلاطة وانطلاقا من الجخ، ربما لأن الأخير كان حريصا على تعزيز حضوره الإعلامي، بينما حبيبة -المغترب- لم يكن يلقي بالا بالحضور على الشاشات، وهو الغائب عن ساحة بيت أسرته.. يقول غازي:


يا أيها الولد اللي سافر
من زمان
وحاسبها حِسبة مسطرة
كل اللى ممكن تكسبه
م الغربة أشياء تُشترى
لكن روايح المخبرة
واللعب ف غيطان الدرة
واللمّة وسط المندرة
والضحك حتى المسخرة
أختك وهي بتتكسف
علشان قالولها مسكرة
بنت الجيران وأيام زمان
ووصلتى ليه متاخرة؟
هي أشياء لا تُشترى


رغم ذلك، فإن النهاية جاءت مغايرة تماما، سرعان ما أدرك هشام أن المزاج العام في مصر تغيّر، وأن مقاومة "المسارح" لم تعد ذات جدوى، وأن كلفة الكلمة أضحت غالية.. فحل هشام ضيفا على المذيع خالد صالح، ليمطره بتصريحات التراجع المقنع، وهو يتحدث عن وطنية مبارك وعظمة انقلاب 3 يوليو.

غازي، لم يتغير، بل زاد شعره سخونه وغضبا، وراح يخط صرخاته الساخطة التي وجدت انتشارها سريعا في بيئة أصبح نادرا فيها من يجهر بالرفض.. راح غازي يقول:


إلي السيسي بعلو الصوت
ماعادش سكوت
مساء الظلم والضلمة
وعلم بتحركه العالمة
وخطيب بيحور الكلمة
ومنابر جاهزة للتبرير
مساء النومة في الشارع
وريس في الخطب بارع
وحارس مفتري وفارع
وشعب بقوة بيصارع
في تيل الشرخ والبواسير
إلي السيسي مساء الخير
أنا الشعب اللي كان قادر
وأنا الشعب اللي ناوي يصير
وأنا الشعب اللي لو حاول
هيجبركم علي التغيير
ولو أخرنا أتباعك
مبنملش من التأخير
ومبنزهقش م الفوضي
وبيبان إننا بنرضي
وبنصدر لحكامنا إننا مرضى
ولما يصدق الحاكم
نصير المعضلة العارضة
في زوايا الكون
إلي السيسي كفاية ديون


الجزاء جاء من جنس العمل، فألقت قوات الأمن القبض على غازي أثناء وجوده بمنزله في إجازة سنوية قادما من السعودية، بينما -في اليوم نفسه- منحت الجامعة الأمريكية للعلوم بولاية اوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية درجة الدكتوراة الفخرية في مجال السلام والعلاقات الإنسانية للشاعر هشام الجخ، وذلك تقديرا لأعماله الفنية والإعلامية التي قدمها في السنوات الأخيرة.

بعد أيام من اعتقال غازي، أمرت النيابة بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق في قضية إساءة إلى النظام والدعوة إلى الثورة، بينما تسلم هشام، قبلها بيومين، جائزة أوسكار أحسن شاعر في مصر في المسرح الكبير بدار الأوبرا.

على أي حال، اختار هشام ختام رحلته بأسوأ سيناريو ممكن، واختار غازي بداية الخلود.. غاب غازي في السجن، لكن كلماته لم تغب عن ألسنة من عرفوه:


بنتحرك معانا الله
وقدرة شعب بيحاول
يغطي العورة بالإكراه
بيتوضي بغناوي النور
ويغسل نفسه من جواه
بنتحرك معانا الله
ومش راجعين
ولو حسينا بالجبروت
هنطلع بالزيتون والتين
ولو دهسونا في الميادين
مفيش صلصال يخاف صلصال
ولا تراب يترعب من طين
هنصعد للسما حافيين
هنطلع نخلع الأبدان
وننزل روح في ناس تانيين
معانا الله ومش راجعين
عدد مشاهدات الموضوع:
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.