سامي الثبيتي.. اعتقال بتهمة الطموح | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

سامي الثبيتي.. اعتقال بتهمة الطموح


اعتقل الصحفي سامي الثبيتي، من منزله في مكة المكرمة ليلة اعتقال كل من خالد بن فهد العودة ومحمد موسى الشريف وغيرهما من العلماء المتصدرين في المملكة وسط حملة الاعتقالات الشهيرة التي طالت مئات الشخصيات العامة والدينية في المملكة.

سامي الثبيتي.. اعتقال بتهمة الطموح

مثل كل البضاعات الاستهلاكية في حياتنا الحديثة، لا يهتم الإعلام كثيرا إلا بالترافيك وأرقام الدخول، لذا ينتقي من الأحداث ما يلفت انتباه القرآء، ويثير فضول شغفهم، ويدفعهم دفعا لزيارة المواقع والبقاء داخل المنصات.

لكن التوثيق ونشر زاويا الخفاء من الأحداث لم يعد من أولويات العمل الإعلامي منذ أن دخل سوق الاستهلاك التسويقي.. فما الذي يدفع صحيفة لتحري أخبار شاب سعودي في مقتبل العمر، بينما يمكنها أن تحقق أضعاف النتائج حين تصدّر عنونا بسيطا، كاعتقال الوليد ابن طلال مثلا؟

وبين ركام الأمراء المعتقلين، يضيع مئات الشباب السعودي الذي اعتقل على خلفية الأحداث.. ومن بين هؤلاء المدفونين، صحفي مكي شاب، في مقتبل حياته الصحفية والمهنية، صاعد بهدوء وثوق وطمأنينة مبشرة.

اعتقل الصحفي سامي الثبيتي، من منزله في مكة المكرمة ليلة اعتقال كل من خالد بن فهد العودة ومحمد موسى الشريف وغيرهما من العلماء المتصدرين في المملكة وسط حملة الاعتقالات الشهيرة التي طالت مئات الشخصيات العامة والدينية في المملكة.

المثير للسخط أن اعتقال سامي بقي سرا غير منشور حتى وقت قريب، حين تحدث بعض أقرابه على استحياء حول طول اختفائه وانقطاع أية أخبار حول التهم الموجهة إليه أو مكان احتجازه، وهي الحقوق الأصلية البديهية في المجتمعات الإنسانية.

التقيتُ سامي حين جمعتني به مهنة الصحافة خلال فترة عملي بالمملكة قبل نحو عام، أتذكر أول لقاء بيني وبينه حين أخبرني أنه من مكة المكرمة، كان ذلك أول لقاء لي بأحد ساكني المدينة المعظمة، لذلك كنت مهتما جدا بالحديث معه.

أتذكر جيدا كيف كان حديثنا الأول، حين تظاهرتُ بعدم معرفة اسم الكعبة، سائلا إياه بجدية تامة: "عندكم في مكة مزار مشهور، مش فاكر اسمه بالظبط، بس هوا مربع ولونه أسمر كده!".. يومها وقف سامي متسمرا مصدوما قبل أن يلحظ الضحكة المكتومة على وجه زميلنا المصري، فابتسم وقال مازحا: المصاروة.. الله يهديهم!

عرفتُ سامي شابا هادئ الطباع، بدائي الأخلاق، نقي للتصورات، محب لمكة مفتخرا بالانتماء إليها. شابٌ مسالمٌ لا يُتصور أن يهدد مثله نظام حكم أو هوية دولة.. لكنه وجد نفسه بين عشرات الموقوفين لا لشيء إلا لأن حسابه على موقع تويتر قد لاقى بعض التفاعل المقلق لأمن أنظمتنا الموقرة.

يدافع سامي في حسابه عن معتقد صاغته حياته بمكة، يرى الشاب في السعودية مكانا لا يليق به إلا أن يكون حاضن بيت الله وحامل هويته، يكتب سامي بقلمه لا بلسان تيار أو كيان، كتاباته عادية جدا، ولا يُستغرب وجودها في حساب شاب نشأ ملاصقا لبيت الله المعظم.

‏كن ما يدهشك حقا، أن فضائيات الإسلاميين وصحفهم في مملكة الأمير الشاب، لا تزال تعمل بانتظام، إلا أن الرعب سيد الموقف، والأدوات التي تم صقلها لسنوات تتخذل لحظة احتياجها، حتى تحولت الوسائل إلى غايات يُسكت عن نصرة من صنعوها في سبيل بقائها، فلا قناة تتكلم عن اعتقال واحد من داعميها البارزين، ولا صحيفة تتحدث عن انتهاك واضح لصاحب سهم أصيل فيها.
‏وفي بلد كالسعودية، يعرف الأمن جيدا انتماء كل متصدر وكيان.. لذا، فإن التخذل والتنازل لا يخدع الأجهزة الأمنية أبدا، وإنما يمنحها بعض الوقت لجدولة اعتقالاتها، وخير لمن امتلك منبرا أن يناصر به الحق، فيموت منبره بشرف المحاولة خير من أن ينطمس بلا هوية ولا فائدة.. وقديما قالوا: إذا لم يكن من الموت بدٌ .. فمن العار أن تموت جبانا.

على أية حال، لقد كنتُ شاهدا على رحلة تصدر سامي على السوشيال ميديا السياسية السعودية، لا شيء في مسيرة الشاب يدعو للقلق أو الريبة، مجرد شاب حزم أمتعته إلى العاصمة بحثا عن فرصة لصناعة كيان وشغف وتجربة، وهو أمر يحمد له ويجازى عليه حسنا لو أن منظومة عدل تحكم بلادنا، ومثال يستحق أن تدعم يناصيب رجال الأعمال الاستهلاكيين وأساطين مسابقات العرب دعم تجربة سعيه وطموحه في بلد لا يفكر فيه الشباب عادة إلا في الاتكال على رصيد أهله ومقام قبيلته.. لكن الشغف والطموح -للأسف- جرائم كافية للاعتقال في بلادنا.
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.