بين اللذة والسعادة | مدونة عمار مطاوع

بين اللذة والسعادة


عش الشباب بروح الشباب، ولا تقاتل في معركة الشيخوخة وأنت ما تزال بعيدا عن أبوابها، لا تضحي بيومك من أجل أن تؤمن غدك، فلعل الغد لا يأتيك فتخسر ماضيك وحاضرك ومستقبلك، هنا تدرك السعادة الحقيقية بعيدا عن خزي الانتكاسات ومخادع الانفراجات.

بين اللذة والسعادة

هل شهقت مرة من فرط الفرح حين أخبرك أحدهم أن أمرا تنتظره بشغف قد تحقق؟ كم مرة فرحت بمرافقة حبيب أو مصاحبة وجيه أو هممت بشيء حسبته قد منحك السعادة؟ هل تظن أنك قد عشت السعادة يوما؟ دعنا إذن نخوض هذا الاختبار.

إن أغلب لحظاتنا الفانية لم تكن سوى لذة وقتية عابرة، ليست سعادة دائمة مستقرة مستمرة، هذا الفارق المهيب يغفل عنه كثير من الناس، فاللذة غير السعادة، ولا يدرك الجميع الأخيرة، فيعيش أناس ويموتون، ولم يدركوا معنى السعادة يوما.

اللذة شعور عابر بالسعادة الخادعة المؤقتة، وأغلب ما يميزها أنها متناقصة تتلاشى مع الوقت، فشراء جهاز جديد يمنحك لذة، لا سعادة. ذلك الجهاز الذي ستضعه في فراش نومك أول ليلة له، لكن بعد أشهر قد يضيع بين الحاجيات المهملة.

لكن السعادة هي الشعور المستمر المطرد، الروح المغمورة بالرضا والفرح واليقين، حالة كاملة تتلبس صاحبها وترافقه في كل كبيرة وصغيرة، فتخلق منه كيانا جديدا يرى الحياة بعين أخرى غير التي يراها بها الناس.

عليك إذن أن تدرك هذا الفارق جيدا، ولا يلتبس عليك الأمر. فتعيش عمرك كله تنتظر السعادة من طريق لا يوصل إليها أبدا، فلا النجاح في دراسة سيمنحك السعادة، ولا الزواج من حبيب، ولا تحقيق شغف ولا تلبية طموح، هذه كلها أمور تمنح صاحبها اللذة، الشعور الوقتي بالانتصار والتمكن، ثم لما تمر الأيام تتلاشى، كأن لم تكن بالأمس.

أغلبنا لا يجد السعادة لأنه لا يلتمسها في مظنتها الحقيقية، ويظل يطرق أبواب السعي إليها دون أن يتنبه إلى لافتات الطريق، ويبقى يستجدي السعادة الفانية ويستبدل بها لذة عابرة رخيصة.

ورغم أن اللذة تبدو قريبة المأخذ، إلا أنها دائمة صعبة التحقق، فالمرء يحتاج ليحقق السعادة إلى أشياء ثلاثة: الصحة، المال، الفراغ.. لكن في المعتاد، الحياة لا تسعفنا لامتلاكم معا في أية مرحلة من مراحل العمر الطبيعية، فالطفولة تمنحك الصحة والفراغ، ولا تعطيك المال، والشباب يعطيك الصحة والمال ولا يمنحك الفراغ، والشيخوخة تعطيك المال والفراغ، وتنزع عنك الصحة.

لكن كيف السبيل إلى السعادة إذن وسط هذا الضباب كله؟ إن السعادة هي أن تعيش كل مرحلة في حياتك كما ينبغى لها أن تكون.. هذا ليس كلاما إنشائيا، وإنما معنى يجب أن تستحضره عملا في حياتك كلها.

عش الشباب بروح الشباب، ولا تقاتل في معركة الشيخوخة وأنت ما تزال بعيدا عن أبوابها، لا تضحي بيومك من أجل أن تؤمن غدك، فلعل الغد لا يأتيك فتخسر ماضيك وحاضرك ومستقبلك، هنا تدرك السعادة الحقيقية بعيدا عن خزي الانتكاسات ومخادع الانفراجات.

التزم بميثاق أخلاقك، لا تكن متناقضا غريب الرد، فتحمل على كاهل نفسك مشاعر الخزي ونوافح العار، امض في حياتك حيث يجب أن تكون، بارا بنفسك رؤوفا بها، تدرك معانى الوقت وواجبات المرحلة وضرورات المسير، فلا تدق باب الأمر وقد فات وقته، وذهب أوانه.

وقديما قيل: التوبة حسن لكن في الشباب أحسن، والعدل حسن لكن في الأمراء أحسن، و الورع حسن لكن في العلماء أحسن، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن، والحياء حسن لكن في النساء أحسن.
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.