هل يشفى الانتقام غليل القلب؟ | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

هل يشفى الانتقام غليل القلب؟


قل لي ماذا ستختار لو خيروك بين حياة الاثنين متجاهلا ما فيها من جريمة، حياة ماتعة مستقرة مستمرة عشرات السنين، لا ينغصها سوى المشهد الأخير السريع جدا على ما يبدو، أم حياة الزوج البطل الذي سيعيش مقهورا طول عمره، ثم سيمسه الفرح مرة في نهاية حياته، قبل أن يعود من جديد للفقد والوحدة؟ لا أفهم حقا جانب العدالة في هذا الأمر، ويعجز عقلي على أن يستوعب هذا الجزء من فلسفة القدر وأحكام الحياة.

هل يشفى الانتقام غليل القلب؟


في السينما، هناك "تيمة" مشهورة متكررة، حين يتعرض البطل لانتهاك صارخ يفقد على إثره حبيبا أو أحدا من عائلته أو جزءا من قدمه أو حتى شطرا من عمره في السجن والتغييب، ثم يدخل في مرحلة الانتقام من منتهكيه، حتى يحقق "النصر" وراحة الضمير.

وفي الميثولوجيا، دائما ما يكون الشر أقوى ومنتصرا، والحق ضعيفا غير قاهر، وتظل الجهادات متلاحقة من أجل التمكين والنصر، الذي يحصل عادة في الأيام الأخيرة من عمر القصة، أو حتى عمر البطل ذاته الذي يهدهد مشاعر المتابعين بأنه قد مات منتصرا.

في الاعتقادات الدينية، فإنه مهما طال بغي الشر فإن الدين سينتصر، يظل الشر قاهرا قرون طويلة، ويظل الخير يغالب انتصارات الشر في مقاومة غير متكافئة، حتى تحين لحظة الغلبة، فيُكتب للنصر هزيمة الشر، بعدما يكون الشر قد أقام شطرا من عمر الزمان قويا، وهتك الملايين من أصحاب الخير.

لن أطيل السرد أكثر في الصراعات الثنائية التي يكون الشر فيها صاحب الحظ الأوفر وقتا وعمرا ورفاهية، بينما الحق يكابد في حظ ضئيل من البقاء والمتعة، ثم يفرح الحق وأصحابه (أو من بقي منهم حيا) بتحقيق النصر في المشهد الأخير.. يبدو أن هذا الأمر بدا مقبولا في تصور الإنسان للحياة، ويبدو أيضا أنه منطقيا بعض الشيء في كتابات السابقين، لكن لا أعرف لم لا أجد ذلك مقبولا عندي أبدا.

ما الغاية من حرب يتحقق فيها النصر المتوهم بعدما يكون الإنسان/الكيان قد خسر فيها كل ما يملك؟ ما الانتقام؟ وما الغاية منه؟ وهل حقا يفرح الإنسان حين يحقق الانتقام دون أن يبعث ما خسره من جديد؟ وهل يمكن أن يعتزل الإنسان كل صدام ويعيش جبانا منزويا لكن سعيدا؟

لا أعرف حقا، لكن هذه الأسئلة وغيرها دارت بخلدي حين انتهيت من مشاهدة فيلم طويل حول البطل الذي قتل كل من اغتصبوا زوجته وقتلوها وزجوا به في السجن، كان المشهد الأخير عبقريا، بعدما قتل الزوج زعيم العصابة الأكبر، وانكب أمام قبر زوجته يرفع لها تحيات النصر والانتقام.

ارتفعت الكاميرا شيئا فشيئا حتى احتوت المكان كله، وبدا جسم الزوج البطل وحيدا في غابة الجثث المدفونة بين المقابر، ثم اسودت الشاشة مع موسيقى الأبطال.. يبدو أن المؤلف قد قصد إلى بعث الفخر في قلوب المشاهدين، لكني رأيته مشهدا كئيبا جدا، وغير عادل على الإطلاق.

ما الذي استفاده الزوج البطل الذي أضحى كهلا، وعاش عمره في السجن؟ وكيف كانت حياة زعيم العصابة الذي عاش بطلا سعيدا على طول الفيلم حتى ابيض شعره قبل موته؟ هل أعاد الانتقام للبطل زوجته أو أراح ضميره؟ هل سينام الليلة مطمئن البال سعيدا؟ لا أظن!

لو نظرت بحياد، لوجدت أن زعيم العصابة قد عاش عمره سعيدا، لكنه واجه مشكلة واحدة في نهايتها انتهت بموته في وقت لا يُستغرب لمن في عمره الموت، بل لعله كان ينتظره بفارغ الصبر.. لكن الشاب عاش سنين القهر ثم ذاق الفرح الناقص مرة واحدة في مشهد وحيد!

قل لي ماذا ستختار لو خيروك بين حياة الاثنين متجاهلا ما فيها من جريمة، حياة ماتعة مستقرة مستمرة عشرات السنين، لا ينغصها سوى المشهد الأخير السريع جدا على ما يبدو، أم حياة الزوج البطل الذي سيعيش مقهورا طول عمره، ثم سيمسه الفرح مرة في نهاية حياته، قبل أن يعود من جديد للفقد والوحدة؟ لا أفهم حقا جانب العدالة في هذا الأمر، ويعجز عقلي على أن يستوعب هذا الجزء من فلسفة القدر وأحكام الحياة.
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.