كازوكو سادامارو.. فتاة استقبلت قنبلتين نوويتين وعاشت! | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

كازوكو سادامارو.. فتاة استقبلت قنبلتين نوويتين وعاشت!


مأساة فريدة للغاية، أن يشهد شخص واحد قنبلتان نوويتان وحيدتان في التاريخ البشري كله.. لكن النجاة هنا محض خدعة كبرى، فلا أحد ينجو من قنبلة نووية!

كازوكو سادامارو.. فتاة استقبلت قنبلتين نوويتين وعاشت!


ثمة فتاة يابانية لها قصة فريدة ربما لا يعرف التاريخ الإنساني مثلها، تُدعى كازوكو سادامارو..

في السادس من أغسطس عام 1945، سقطت القنبلة النووية الأمريكية على مدينة هيروشيما اليابانية. استقبلت الفتاة ذات العشرين عاما رعب الانفجار الذي لم يسبق له مثيل، لكنها ظلت متمسكة بأمل فريد في الحياة، وزحفت مصابة حتى تمكنت بعد ثلاثة أيام من الوصول إلى مدينة ساحلية مجاورة تُدعى ناكازاكي.. وهناك، كانت قنبلة نووية أخرى في انتظارها!

مأساة فريدة للغاية، أن يشهد شخص واحد قنبلتان نوويتان وحيدتان في التاريخ البشري كله.. نجت سادامارو هذه المرة أيضًا، وعاشت حتى بلغت الثمانين، لكن النجاة هنا محض خدعة كبرى، فلا أحد ينجو من قنبلة نووية، وسادامارو استقبلت اثنين!

ظلت سادامارو طول حياتها ترفض الحديث للإعلام، هربا من تلك الذكرى القاتلة، وما رأته فيها من لحوم متناثرة على طريق شمال هيروشيما المتعرج في حقول الأرز والجبال الخضراء، تطاردها كل ليلة في منزلها الياباني المتواضع في ناكازاكي، أصوات المعذبين وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة من كل اتجاه.. تستيقظ كل ليلة على الكابوس الذي يطاردها حتى اليوم إلى الحصير الممتد على جانبي شرفتها الأرضية..

لكن عام 2005، كسرت سادامارو 60 عاما من الصمت، وتحدثت للمرة الأولى والأخيرة لصحفي الجارديان عن لحظة نادرة رأت فيها "فلاش كاميرا يومض مثل شمس، ثم اختفى بعدها كل شيء عدا النار والصراخ"، تقول: "رأيتُ سحابة فطر من النافذة، أعقبتها صرخات أناس يجرون عرايا محترقون، كانت جلودهم دموية ومتقشرة، وكان لديهم بثور.. كنتُ أفكر فيما حدث؟ لماذا؟ ما هذا؟ لم يسمع أحد عن تلك القنبلة قبل ذلك اليوم. لم يتخيل أحد وجود مثل هذا السلاح، هذا مشهد لا يزول عن عقلي أبدا".

حين وصلتْ سادامارو إلى ناكازاجي، وقف أصدقاؤها مذهولون من رؤيتها على قيد الحياة، فقد أعلنت الإذاعة الوطنية عن تدمير هيروشيما بالكامل وموت كل من فيها، تقول: "عندما رأوني صرخوا، وبدأوا في البكاء".. لكن فجأة، "رأيتُ الوميض من جديد، ثم جاء الانفجار، ورأيت سحابة سوداء ترتفع في السماء، صرخ أصدقائي وهربوا، لكنني لم أفعل، كنت أعرف أنها القنبلة، لا مفر إذن".

في الثاني عشر من الشهر نفسه، استمعتْ سادامارو للإذاعة الوطنية وهي ترسل خطابًا عاجلا باسم الإمبراطور: "أيها الشعب، يملك العدو سلاحًا جديدًا ومريبًا يستطيع حصد آلاف الأرواح وتدمير البلاد في غمضة عين، فقدنا مئتي ألف مدني في يومين، هذه إبادة، ليست حربًا.. إذا استكملنا القتال سيفنى اليابان والحضارة الإنسانية كلها.. كيف لنا أن نحمى ملايين الأرواح من الموت المحتوم؟ لذلك، نُعلن استسلامنا".

في منتصف أغسطس من كل عام، تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية بـ"انتصارها" في حرب المحيط الهادئ، في بهو ولاية ميسوري عند التمثال النصفي للرئيس الأمريكي هاري ترومان صاحب قرار إلقاء القنبلتين، وتتخرج دفعة جديدة من مختبرات سانديا الوطنية في الزمالة التي تم إنشاؤها خصيصا باسم "هاري ترومان" في الأمن القومي، ويعاد إصدار طابع بريد خاص باسمه.. لا أحد يجرؤ على وصف ترومان بالقاتل، لماذا؟ ربما لأن اسمه ليس هتلر.

أما سادامارو، فعاشت وماتت تحمل مأساتها في صمت، لم تلقتط لها الكاميرات صورة طيلة 60 عامًا، لترفض في كبرياء عرض مصور الجارديان أن يلتقط صورة لوجهها العجوز وقد شارفت الثمانين، لكنها سمحت له بتصوير قبعتها الحمراء التي ارتدتها وهي تساعد المصابين باسم الصليب الأحمر، وعليها كتبت: "ناجية من مقبرة ليس لها بلاطة ضريح".
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.