أساتذة الأمل | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

أساتذة الأمل


ما يميز التضحيات الأولى، أنها اصطدمت مع النظام العسكري في لحظة توحشه، فكانت المواجهة أكثر عنفا، وتعقيدا، ورهانا، لكن الخذلان الأكبر هو التجاهل الحقوقي المتعمد لصالح حالات جديدة، وقعت في حالة استقرار حقوقي وصحوة رصدية وتصعيد إعلامي وحضور مهيب.

أساتذة الأمل

حين يختلط الأمر بالسياسية، يجد كثير من الحقوقيين حرجًا من أن يرصدوا الحالات الإنسانية ويصدروا تضحيتها؛ هربًا من شبح التصنيف والتوصيف، أو دفع فاتورة مواقف الضحايا السياسية والأيدلوجية. لذلك فإن ضبط ميزان الحياد ليس أمرا هينا ولا مستطاعا، ويحتاج مكابدة واجتهادا متواصلا.

في مصر، بعد أحداث الثالث من يوليو عام 2013، برزت حالات إنسانية وتضحيات كبيرة لم تجد من يقف عليها أو يضعها في مقامها، إذ كانت الفرق الحقوقية لا تزال متأثرة بمواقف أغلب أعضائها السياسية المؤيدة لحراك الجيش ضد حكومة الإسلاميين الإخوان، الأمر الذي وقف حائلا ضد رصد انتهاكات النظام العسكري الجديد.

مع الوقت، توسعت انتهاكات النظام حتى طالت شرائح الحقوقيين الليبراليين والعلمانيين ودوائر تياراتهم السياسية، عندها فقط اعترفوا أخيرا بوقوع الانتهاكات، وبدأوا في تصدير حالات معاصرة لصحوتهم الآنية، فإذا بآلاف الحالات الإنسانية الرائدة التي سبقت صحوتهم تجد نفسها طي النسيان.

ما يميز التضحيات الأولى، أنها اصطدمت مع النظام العسكري في لحظة توحشه، فكانت المواجهة أكثر عنفا، وتعقيدا، ورهانا، لكن الخذلان الأكبر هو التجاهل الحقوقي المتعمد لصالح حالات جديدة، وقعت في حالة استقرار حقوقي وصحوة رصدية وتصعيد إعلامي وحضور مهيب.

أصحاب هذه التضحيات الأولى، اختلفت ردات فعلهم تجاه هذا التجاهل، فكان منهم من انزوى في زاوية حياته النمطية مستسلما، ومنهم من خرج من جحر تلك المعادلة الظالمة إلى رحب أوسع، فترك مثالا يحتذى من أستاذية الأمل والبقاء. هذا المقال ليس سوى محاولة لرد بعض الاعتبار.

- مازن المصري.. الشهيد الحي:


مازن المصري هو أحد مصابي مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية، ليصاب برصاص الغدر فيفقد إحدى عينيه ثم يفقد جزءًا من ذاكرته، نظراً لشدة الإصابة التي سببت تلفاً في المخ وضعفا في الرؤية والإبصار.

ورغم حالته الصحية المتدهورة بعد استئصال جزء من المخ ما أثر بشكل كبير على الإدراك والنطق، لم يغب مازن عن الحياة، وبقي يبث آرائه وكتاباته وفيديوهاته للتعليق على الأحداث وطمأنة الأصدقاء على حالته الصحية وتطور علاجه.

يصر مازن على أنه لم يندم يوما على مشاركته في الاعتصام حتى بعد إصابته القاتلة، وأنه يحمد الله كثيرا على أنه نال شرف المشاركة وسط هذه الجموع من أجل إعلاء كلمة الله، بحسب وصفه.

يشتكي مازن كثيرا من جيرانه الذين يتهامسون حول إرهابيته، وجارته التي تطلب له الشرطة بمعدل دوري منتظم، كأنه طقس تعبدي تمارسه في حينه، لكنه يشدد دائما على أنه لا يعبأ كثيرا بمن زعم كذبا أن المعتصمين كانوا يحصلون على مبالغ مالية نظير البقاء في الميدان. كتب مازن ذات يوم: "نعم أنا حصلت على 10 مليون دولار، قولوا ما تشاؤون، الحمد لله أننا خرجنا من أجل إعلاء كلمة الله".

بطولة مازن لا تتوقف عند شخصه وحده، بل امتدت إلى زوجته أيضا، التي يشيد مازن بموقفها بعد إصابته وردها على شماتة "أنصار الجنرال". ترى زوجة مازن فيه بطلا، وتقول -كما يروى مازن في أحد فيديوهاته- أنه "لو كان قد نال الشهادة في رابعة لطافت الشوارع في سعادة بتلك المنزلة التي ارتقي إليها".


- أسماء جمال.. فراشة الثورة:


فقدت أسماء جمال ساقها اليمنى من فوق الركبة، إثر إصابتها بطلقتي خرطوش من سلاح ضابط شرطة استهدفها عمدًا، بحسب من شهدوا واقعة الاعتداء عليها، قبل اعتداء بلطجي عليها بالضرب في مظاهرة رافضة لحكم الجيش بالإسكندرية.

كانت أسماء على أعتاب عامها التاسع عشر حين تعرضت للحادثة التي منعتها من إكمال رحلتها طالبة بمعهد الخدمة الاجتماعية بالإسكندرية، لكنها رغم ذلك لم تستلم لواقعها الجديد، لتتحول منصاتها الإلكترونية إلى ميدان لبث الأمل والرضى في نفوس متابعيها.

حتى مع المرض، لم تستلم أسماء سريعا أمام قدمها المصابة، لكن ثلاث عمليات جراحية فشلت في معالجة الوضع، قبل أن تخضع لعملية رابعة تم خلالها بتر ساقها من فوق الركبة، لكن أسماء بقيت رغم ذلك واثقة اختياراتها، وسعية بصديقها الجديد - العكاز.

تقول أسماء: "نحن جيل تربى على الحرية، ونعرف أن ثمنها غال، ليكن ما يكون، لكننا لن نسمح لأحد أن يسرق منا ثورة يناير".

شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.