إلى مختفية قسريا | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

إلى مختفية قسريا


أشعر اليوم بخذلان كبير في حق كل فتاة مثلها، يوم أن اختزلنا نضالنا المتوهم في منشورات على شبكة افتراضية، ثم جرى بنا الزمان فصرنا عاجزين حتى عن ذكر اسمائهن، ولو ذكرناها سهوا لأعقبناها بسيل من الاعتذرات والمسامحات والدعاءات بألا يكتب الله على الفتاة معاناة جديدة بسبب منشور تائه.

إلى مختفية قسريا

في إحدى ليالي شتاء ديسمبر 2015، خرجت طالبة أزهرية من المعتقل بعد توقيف احتياطي دام عدة أسابيع في أقبية أمن الدولة، دون أن يُوجه لها اتهام أو تُعرض على النيابة. حين خرجت الفتاة، أخبرتني، وكنتُ في مصر، أن المحقق فتح لها حسابي واستخرج منشورا كتبته عنها، وأخبرها أن التحقيق معها سيستمر لأنه من الواضح أنها “مهمة”.


بعدها بأشهر، خرجتْ معتقلة أخرى من قسم المطرية، لتخبرني أن الضابط استدعاها مرتين ليسألها عن هذا الشاب الذي يكتب عنها باستمرار، وكيف وصل إلى أخبارها، وما علاقتها به، مهددا إياها بفتح محضر جديد لها حال امتنعت عن الاعتراف.. ثم ختم تحقيقه معها بالتهديد: عموما قوليله هنجيبك قريب.

في سجن القناطر، تم تسكين فتاة في التأديب بسبب مقال كتبه زميل لها بالجامعة عن رحلتها من قاعة المحاضرة إلى أقفاص المحاكم، بعدما تعرضت لتحقيق دقيق داخل السجن عن علاقتها بهذا الشاب وكيف عرف كل هذا عنها.

وفي سجن منية النصر، فزعت فتاة معتقلة على وقع قوة تستدعيهع لمكتب المأمور ليسألها في تحقيق رسمي كيف عرف الصحفي فلان كواليس منع زيارتك الليلة الماضية؟ كيف تتواصلين مع الخارج؟ وهل يعطيكِ الجنائيون هاتفهم أم لا؟

وفي المنصورة، طالبة كادت أن تخرج في يوم اعتقالها الأول، قبل أن تكتب صديقتها منشورا عن الأولى يحكي نضالها في الجامعة وكيف كانت توزع الأوراق على الطلبة وتهتف في المظاهرات وتقود التجمعات، مرفقة عدة صور لها في الفعاليات المختلفة.. الأمر الذي انتهي بفتح محضر جديد لها وحبسها على ذمته من جديد.

حوادث مشابهة أخرى كلها بدأت تكشف عن مشكلة واضحة، الأمن يتابع حسابات مواقع التواصل بشكل جيد، لا سيما الذين يكتبون في موضوع معين معروف سلفا، يراقب الأمن ما يكتب على مواقع التواصل، ويحدد موقفه من بعض الأحداث والقضايا بناء عليه.


خلص اجتهادنا بأن نتوقف نهائيا عن الكتابة عن أي فتاة إلا بعد أن تخرج من الحبس أو يتم عرضها على النيابة بشكل رسمي، وأن تتلخص أي محاولات للمساعدة أثناء الاختفاء في الوصول لأهلها أو محاميها وتوثيق الانتهاكات بشكل كتابي، باستثناء الحالات التي يطلب فيها الأهل أو المحامون بشكل واضح الحديث الإعلامي عن مفقودتهم.

ذلك أمر يشعرني بالخجل جدا، لا سيما وأن فتاة جامعية مختفية الآن منذ ثلاثة عشرة يوما، والجميع يترقب في قلق ما يحدث معها، والمحامون عاجزون عن الوصول إلى أي خبر عنها، لكنهم في الوقت ذاته يخشون الحديث الإعلامي حولها، خوفا من أن يزيد الأمر الطين بلة.

وفوق ذلك، أشعر اليوم بخذلان كبير في حق كل فتاة مثلها، يوم أن اختزلنا نضالنا المتوهم في منشورات على شبكة افتراضية، ثم جرى بنا الزمان فصرنا عاجزين حتى عن ذكر اسمائهن، ولو ذكرناها سهوا لأعقبناها بسيل من الاعتذرات والمسامحات والدعاءات بألا يكتب الله على الفتاة معاناة جديدة بسبب منشور تائه.

لا أعرف كيف يمكن أن نقنع الجنرالات أن الفتيات خط أحمر، أو أن كرامة الفتاة -أي فتاة- هو جزء من كمال الرجولة، أمر لا يهم فيه جنسية الفتاة ولا اعتقادها ولا دينها ولا أيدولوجيتها، أو أن الفتيات يجب دائما أن يبقين خارج مساحة الصراع السياسي والديني؟

ذلك أمر أدركه أبو جهل يوما حين نهر أحد الشباب الواقفين ببيت النبي الذي يسعون في قتله، حين فكر الشاب في أن يدمروا البيت على من فيه، فقال أبو جهل: ويحك! وتقول العرب إنا تسورنا الحيطان وهتكنا ستر بنات العم!؟.. ليت جنرالات بلادنا يحملون أخلاق أبي جهل.
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.