ثمرة الاغتراب قسرًا | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

ثمرة الاغتراب قسرًا


نعيد في ليالي العزل اكتشاف ما قد يبدو بديهيًا، لكن عيوننا تعمى عن رؤيته جهة وقوفنا.. تمنحمنا الغربة فرصة لنلمح الأشياء من جهة أخرى

ثمرة الاغتراب قسرًا

ما كان موسى ليناطح الفرعون العظيم، لولا غربته عشر سنين خارج بلده.. تلك الرحلة هي التي صنعت نضاله، وصوبت بوصلته، وأهلته للنبوة، وألهمته اسثتمار قوته القاهرة في قول الحق بوجه "الإله" الظالم، بدل استغلالها في وكز الضعفاء وقتلهم، شعوبية وحميّة، قبل سنوات الغربة.
 ْ
تعلّم موسى في غربته أن أرض الله في مصر هي أرضه في مدين، وأن الناس لا تحتاج النيل العظيم لكي تشرب، لأن بئرا متواضعًا في الصحراء يمكن أن يسد عطشها.. وأن خارج سلطان إله مصر المُهيمن، يقبع قوم آخرون لا يرونه إلها، ولا يعرفون بوجوده حتى.. وأن هذا الفرعون الدعيّ، إله محدود القدرة، يمتد سلطانه فقط إلى حيث تنتهي جيوشه!
 ْ
تلك ثمرة الاغتراب قسرًا، نعيد في ليالي العزل اكتشاف ما قد يبدو بديهيًا، لكن عيوننا تعمى عن رؤيته جهة وقوفنا.. تمنحمنا الغربة فرصة لنلمح الأشياء من جهة أخرى، وتصنعنا فيها الأقدار على عينها، لنعود يوما كما عاد موسى، أبطال القصة، لا مستمِعوها على لسان رواه.
 ْ
هذا أمل لطالما منيّت به نفسي كلما آلمتني الغربة أو غالبني الحنين.. الأيام تتبدل، والزمان يدور، والفوز لا يكون فوزًا إلا إذا سبقه تِيه غير محسوم، وانكسار في عيون تتشبث فيها الوجاهة القديمة بما تبقى من كبريائها المهدور.. وإن لكل غالية مهرها، ولكل بضاعة كُلفتها.. ومن تمنى سعى، وها نحن ذا!

شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.