لو لم يكن «مرسي».. هل كان سيستمر نضال الإخوان؟
نُشرت هذه التدوينة أول مرة على مدونات الجزيرة عبر هذا الرابط
تبدو الافتراضات عادة خطوة مهمة نحو استقراء الواقع، لا سيما إذا كانت الأحداث تبدو صفرية منقطعة السبيل، وهنا يكون على الراصد -أي راصد- أن يبدأ في تبديل عناصر المشهد بحثا عن نافذة في فسيفساء الصورة.
الإخوان في مصر، يخوضون صراعًا لا مكان للحلول الوسط فيه؛ فاللافتة هذه المرة ليست مقعد برلمان مزور أو انتخابات جامعية مجمدة، وإنما هي رئاسة وبرلمان كامل وسلطان دولة بأجمعها.
ومع استمرار الصراع، استقرت لدى أدبيات الإخوان مصطلحات جديدة، ربما تكون تأسيسا لمرحلة قابلة من تاريخها، فالشرعية، وأحقية إنهاء فترة الولاية، والحاكم المنتخب "الشرعي"، وغيرها من المسميات بدت واضحة بشكل كبير في حديث أي إخواني الانتماء.
لكن مراجعة تلك المصطلحات ومدلولاتها، تبدأ من الوقوف عند كل واحدة منها، قبل رصد مواقف الجماعة من مواقف تبدو مشابهة تماما للحالة المصرية، إلا أن العنصر الغائب فيها دائما، كان انتماء «رب الصراع» الصريح للإخوان، كما في حالة مرسي مصر.
مصطلح الشرعية مثلا، يقول الإخوان حاليا إن الشعب -أي شعب- لا بد ألا يقبل أبدا بأن تُفرض عليه إرادة خارجة متسترة بقوة السلاح أو المال، وأنه يكفي الإخوان شرفا أنهم اليوم يخضون صراعا من أجل حماية مكتسبات الشعب وأصوات الناخبين.
لكن مراجعة لمواقف الإخوان في الحالة المصرية نفسها، تُظهر أن هذا الأمر لم يكن بتلك الصرامة التي يبديها الإخوان هذه الأيام. فغير بعيد، استُبعد ثلاثة مواطنين من سباق الانتخابات الرئاسية إثر تدخل سافر من قِبل المجلس العسكري، لكن الإخوان وقتها لم يدافعوا عن خيارات الناس ولم يعارضوا الوصاية الخارجية، بذريعة أو بأخرى.
المهندس خيرت الشاطر نفسه -أحد المستبعدين الثلاثة- كان أول من أعلن صراحة عن علم الإخوان المسبق باستبعاده هو وحازم أبو إسماعيل من السباق، -قبل إصدار القرار-، بتدخل من المجلس العسكري، في حلقة لم يكتب لها الانتشار في برنامج السادة المحترمون إثر ترشحه.
وعندما سأل المذيع الشاطر عن أن ذلك الاستبعاد قد يأتي نتيجة لمخالفات قانونية من قبل المرشحين، قال الشاطر بوضوح: "لا، دي إرادة سياسية، المجلس العسكري أوعز بوضوح للجنة الانتخابات بإن موضوع خيرت وحازم لازم يخلص خلال الأسبوع ده".
وفور استبعاد الثلاثي (حازم أبو إسماعيل - خيرت الشاطر - أيمن نور)، استكان الإخوان إلى ترشيح محمد مرسي، وكأنهم اقتنصوا لأنفسهم -ولأنفسهم فقط- تعويضا لائقا، بينما لم يكن لدى "نور" قدرة على حشد أنصاره، لكن أنصار أبو إسماعيل سرعان ما احتشدوا أمام وزارة الدفاع في العباسية رفضا لتدخل العسكر في العملية السياسية.
موقف الإخوان يومئذٍ لا يخفى على أحد، بدأ بصمت مستكين وتجاهل متعمد، ثم هجوم على هؤلاء المعتصمين الذين "نزلوا نصرة لشخص دون أن يعلوا من مصلحة الوطن"، هؤلاء الشبان الذين لا يريدون أن يفهموا أن الوطن أكبر من شخص حازم!
لم يدافع الإخوان يومئذ عن الشرعية، ولم يقفوا في وجه التوغل على إرادة الناس، بل واتهموا من تبنوا بالأمس قضية اليوم، بتغليب مصلحة الآحاد والوقوف ضد مصلحة الناس!
من المفارقة، أن فض اعتصام العباسية كان بمثابة "بروفة مصغرة" لفض اعتصام رابعة، فالاتهامات بالنزول من أجل شخص تكررت في الاعتصامين، وتعرض المعتصمون في المرتين لفض وحشي من قبل المؤسسة العسكرية.
السؤال الآن: أين كان موقع الإخوان في المرتين؟ لماذا لم يدعم الإخوان معتصمي العباسية في دفاعهم عن الشرعية وحقوق الناس، ولماذا التزم الإخوان الصمت إبان فض اعتصام العباسية -اللهم إلا بيانا هزيلا تحدث عن الحرص على استمرار الانتخابات أكثر من إدانة القتل والتضامن مع المقتولين.
ما العامل المتغير في المشهدين (العباسية/رابعة) والذي بناء عليه تغير رد فعل الإخوان ما دام الباعث في المشهدين واحدا وأسباب الاعتصام متطابقة؟ الحقيقة، هي أن زعيم الصراع في المشهد الأخير كان مرسي، عضو جماعة الإخوان.
يقودنا هذا لفرضية أخرى، ماذا لو لم يتمكن الإخوان من ترشيح مرسي، هل كان ميدان التحرير سيشهد اعتصام رابعة مقدم؟ أم كان الإخوان سيعلون مصلحة الوطن ويتجاوزون عن حقهم في المشاركة في العملية الانتخابية ويكتفون بدعم عمرو موسى أو أبو الفتوح؟
وماذا لو نجح شفيق ضد مرسي في الجولة الأخيرة؟ ألم تكن التصريحات واضحة بالاحتشاد في ميدان التحرير ضد عودة الفلول؟ هل كان الدافع فعلا هو رفض عودة الفلول أم الانتقام لخسارة مرشح الجماعة؟ ألا تمثل مجرد مشاركة الفلول في الانتخابات نجاحا لعودتهم؟ أم أن الأمر كان رهين فوزهم، أو بالأحرى خسارة مرشح الإخوان الذي تم إكسابه -بطبيعة حال منافسه- لقب مرشح الثورة؟
يردد الإخوان أيضا ضمن شرائح معينة، مصطلحا جديدا على أدبياتهم، "الحاكم المنتخب المبايع الشرعي"، وبعيدا عن جدليات الفقه حول مدى صلاحية منح لقب الولاية الشرعية لمن جاء بانتخابات لها في التراثية الإسلامية منها موقفا متحفظا، لكن، هل يعتبر الإخوان أن السبسي -رئيس تونس صاحب الانتماء الواضح- حاكما منتخبا مبايعا شرعيا؟
لنفترض إذا أن إخوان تونس قرروا غدا "الخروج" على السبسي في تظاهرات تطالب برحيله -لنقل لنفس الأسباب التي خرج الناس فيها ضد الرئيس مرسي في 30 يونيو-، هل سيهاجم إخوان مصر نظائرهم في تونس لأنهم خرجوا على الرئيس الذي له أحقية البقاء حتى نهاية فترته؟
لو نجح تحرك إخوان تونس المفترض، وأُقيل السبسي، وأعلن جيش البلاد تحيزه لإرداة الشعب التونسي، فهل سيصف إخوان مصر ما حدث بتونس بأنه انقلاب عسكري؟
الأهم من ذلك، هل لو كان الانقلاب العسكري في مصر وقع ضد البرادعي أو حمدين صباحي أو حتى أبو الفتوح، هل كان نضال الإخوان سيستمر ضد العسكر؟ أم كان الأمر سينتهى برفض مبدئي، ثم تظاهرات متواصلة، لكن مع أول بادرة لحل الأزمة سيختار الإخوان التنازل عن شرعية "الشخص" وسيعلون قيمة حفظ الدماء والنظر للمستقبل.. في موقف ربما لا يختلف كثيرا عن موقف حزب النور؟
يبدو إذن أن إغفال انتماء مرسي عاملا أساسيا رئيسا في تشكيل اختيارات الإخوان في الصراع الحالي أمرا لا يمكن تصوره، وبدونه لا يمكن فهم أسباب هذا الإصرار الواضح في استمرار تلك المعادلة الصفرية، فلو لم يكن الرئيس المنقلب عليه إخوانيا صرفا، لما استمرت حدة الصراع بهذا الشكل إلى يومنا هذا أبدا.
شاهد أيضا