سر الكتابة! | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

سر الكتابة!


‏ربما الآن تدرك لماذا كان الناس قبل عصر السوشيال ميديا يحملون مذكرات يخطون فيها لحظاتهم الخاصة.. ولماذا كانت المذكرات تحمل طابع السرية.. ولماذا كانت الأفلام تصوّر أن النظر في مذكرة أحدهم لا يكون إلا استراقا.. إنها “مذكرة خاصة”.

سر الكتابة!

“كل شيء تفعله الآن يموج للخارج ويؤثر على الجميع، وقفتك يمكن أن تضئ قلبك أو تنشر القلق، أنفاسك يمكن أن تشع الحب أو تعكر الغرفة بالاكتئاب، وهالتك يمكن أن توقظ الفرح، وكلماتك يمكن أن تلهم الحرية.. كل فعل تفعله يمكن أن يفتح القلوب والعقول” – ديفيد ديدا

‏أكثر طريقة تساعدني على تجاوز حالات القلق والسيطرة عليها، هي الكتابة.. للكتابة سر عظيم، تدرى ما هو؟ إنها العقلانية، لا يمكنك أن تصوغ بالكتابة أفكارًا غير مرتبة أو بلهاء، تجد نفسك دائما مضطرًا لكتابة كلامٍ يحمل معنى.. بينما القلق هو حالة من تكالب الهموم، الصادقة والكاذبة، الحقيقية والمزيفة.
‏إن القلق حين يصيب الإنسان، يتركه كالجسد صاحب المناعة الضعيفة.. تجد الهموم فرصتها السانحة كي تتكالب عليه دون رحمة، سرعان ما يتحول موضوع قلقه إلى عشرات الموضوعات، فوضى، حصار، غرق في التفاصيل والتحديات.
‏ ‏
‏باختصار، تساعدك الكتابة على ترتيب فوضى مشاعرك، لأنها تستبعد ما لا يمكن كتابته، فتضعك أمام أهم ما يطاردك، فتكون النتيجة أنك تتجاهل ما لم تستطع أن تكتبه؛ لأن شعورا داخليا يُقنعك أنّ تلك المشاعر فوضاوية لا ترقى لمرتبة مشكلة، إذ إنها حتى لم تستطع أن ترقي لمرتبة سطر مكتوب!
‏هنا، تكون قد قطعتَ نصف الطريق، فحين تسيطر على فوضى مشاعرك، وتستبعد الزوائد، وتحدد مشكلتك بحروف واضحة.. يصبح من السهل الانتقال إلى خطوة البحث عن حل..
‏ربما الآن تدرك لماذا كان الناس قبل عصر السوشيال ميديا يحملون مذكرات يخطون فيها لحظاتهم الخاصة.. ولماذا كانت المذكرات تحمل طابع السرية.. ولماذا كانت الأفلام تصوّر أن النظر في مذكرة أحدهم لا يكون إلا استراقا.. إنها “مذكرة خاصة”.
‏ اليوم، يبدو أن السوشيال ميديا قد أتاحت الفرصة لكل الناس لامتلاك مذكرة، إلا أنه ينقصها أن تكون خاصة.. كلماتك أصبحتْ تذاع أمام المشاهدين، لذا سيغيب عنها الصدق، وستتحول مع الوقت إلى افتعال يفتقد الجدية ويبحث عن التناسق والتوازن..
‏أعطيك مثالا؟ أنا الآن قلق للغاية حيال أمر ما، دخلتُ هنا كي أكتب عن بعض مخاوفي.. كيف انتهى بي الحال إلى كتابة تلك الكلمات؟ وما الذي استدعاها في خاطري؟ وهل لها أيّ علاقة بتجاوز مخاوفي؟ وهل لو كنتُ أكتب الآن في كراستي الخاصة، لكان النِتاج هو هو؟ لا أعرف، لكنّي لا أظن أبدًا!
‏خلاصة القول، اكتب، كفاك مشاركةً لمنشورات غيرك، اكتب في مذكرتك وعلى صفحتك وعلى حائط بيتك، اكتب في كل مكان.. لا يهم أن تكون كاتبا بارعا، الكتابة تفتح لك بابا للبوح، تعلِّمك كيف تحكي، كيف تصوغ مشكلاتك، كيف تعبر عن قلقك ومخاوفك.. ثم تساعدك في النهاية؛ كي تعبُر كل ذلك.

شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.