إنهم لا يعرفون الكلاسيكو! | Ammar Metawa | عمار مطاوع | المدونة

إنهم لا يعرفون الكلاسيكو!


تتناول التدوينة ملامح من اختلاف ثقافات الشعوب في ظل تعرض الكاتب لعدد منها خلال رحلته، وملاحظة التباين الواضح في فلسفات الشعوب وعاداتهم المختلفة

إنهم لا يعرفون الكلاسيكو!



تبدو مشاهدة مبارة الكلاسيكو في موعدها حدثا اعتياديا في حياة كثير منًا، لا نحتاج عادة لأن نذكر اسم فريقي المباراة ولا تفاصيل البطولة حين نخبر أحدا عن جدول أعمالنا في ذلك اليوم، ربما نكتفي بالقول: "سنشاهد المباراة الليلة"، والبقية يعرفها السامع ابتداءً.. من الذي لا يعرف كلاسيكو الأرض؟

أخبرك أمرا؟ ثمة بقعة لا تعرف عن هذا الأمر شيئا، أو بالكاد فإن المطلعين منهم يعرفون عن كريستيانو وميسي مثلما نعرف نحن أن أحمد برادة يلعب الاسكواش.. ثمة بلاد لا جمهور فيها يتابع الكلاسيكو على الإطلاق، وشعب غير مكترث لأن يُطرد كرستيانو ظلما أو تساء معاملة ميسي من مدافع مغرور!

قبل أيام، حين حان موعد المباراة، كنتُ في ختام أسبوعي الأول في منطقة يقل فيها وجود العرب والأغراب خارج العاصمة في ماليزيا، لا أزال جديدا على معرفة كل شيء، إلا أن ما أعرفه جيدا أن المباراة لا يُعوض غياب مشاهدتها في الاستاد سوى مشاهدتها في المقهى، لم أنشغل كثيرا بالبحث عن مقهى مناسب، أيّ واحد سيؤدي الغرض، هكذا كنتُ أظن.

ساعة كاملة قبل الموعد، أجوب "شوارع المقاهي" بحثا عن شاشة تعرض المباراة، قبل أن يتخذل الطموح للبحث عن أحد يعرف شيئا عنها، لينتهى الأمر بالارتكان إلى زاوية أحدهم ثم مشاهدتها على شاشة الجوال.. ربما من الطبيعي -حتى في بلادنا- أن نجد بعضا لا يتابعون أخبار الكرة، لكننا هنا نتحدث عن قاعدة معكوسة، معكوسة تماما.

لا أحبُ أن أحمِّل الأمور أكثر من قدرها، لكني أعتقد أن الدرس الأكبر في الغربة -حتى وإن كانت اضطرارية غير معلومة الهدف ولا النهاية- هو التأمل في تلك التفاصيل الصغيرات، وأن أكبر دروس الحياة نتعلمها من تلك المقارنات، ربما لأننا نجد فيها فائدة نقدمها سلوى للعقل حين يطارده السؤال الدائم: ما الذي جاء بِنا هنا!؟

على أية حال.. أن تجد شعبا لا يعرف شيئا إطلاقا عن حدثٍ يعتقد سُكان بقعة أخرى أنه "مناسبة كونية يتابعها كل سكان الأرض"، ليس لأن الجاهلين به من فقراء التقنية ولا ضحايا الحروب، ولكن لأنه فقط -فقط- أمر لا يعنيهم.. أليس أمرا كهذا يبدو مثيرا للتأمل؟ الحديث هنا عن مساحات الانتشار، عن وهم "العالمية"، عن إدراك غاية التصدر، عن الشهرة، وكيانات النخبة، وأوهام النجاح.. وأشياء أخرى!

مثلا.. يُدرس في مجالس العقيدة أنّ كل من مات على غير الإسلام بأي كيفية كانت، هو في النار قولا واحدا لا يقبل الشك ولا يحمل التخذل، وأن من شك في مصير "الكافر" فقد أصيب إيمانه وبهت دينه.. يومها ثار في ذهني سؤال: أيُّ مصير ينتظر فلاحا في ريف إسبانيا لا يعرف عن الإسلام شيئا.. بينما ابنه الأكبر، الشاب الجامعي، أخبره ذات يوم -في معرض حديث جانبي- أن الإسلام هو طائرة مدنية تخترق برج التجارة العالمي؟ هذا كل ما وصله عن الإسلام، هذا غاية جهده وأقصى حيلته كي يعرف أكثر.

كتب التراث لا تحمل إجابة واضحة جامعة على هكذا سؤال، الفقهاء والمفكرون لم يهتموا كثيرا لهذا الأمر، والذي تكلم منهم فيه عزاه للاجتهاد المنطقي غير المصحوب بالنص.. بيد أن بعضهم حمّل الفلاح مسؤولية الأمر لأنه لم يبحث أكثر، وبعضهم حمّلها لابنه الذي ضلله، وآخرون قالوا إننا نحن من سيحمل وزر غياب الدين عنه، أو أن الله سيختبر قلبه يوم القيامة اسثتثناءً ثم يورده مورده.. لكنّ بعضهم اختار الإجابة الأكثر أريحية، فقال إن العالم كله يعرف الإسلام، وأن دعوة الله عالمية، وأن كل أمة قد أتاها نذير.

في النهاية لن يصل أحد إلى إجابة هذا السؤال، لأن الجهة الوحيدة المخولة بالرد القطعي عنه هي السماء، ولأن وحي الدين قد سكت عن هكذا أمر.. ولأنه كان يسع الفقهاء أن يقولوا ببساطة إننا لا نعرف مصير هؤلاء، لأن الدين لم يخبر عنهم شيئا، بدل من تلك الاجتهادات الغربية غير المنطقية، التي سيكتشف كل من يخرج من نطاقها يوما أنها هاوية للغاية!

تبدو مشاهدة مبارة الكلاسيكو في موعدها حدثا اعتياديا في حياة كثير منًا، لا نحتاج عادة لأن نذكر اسم فريقي المباراة ولا تفاصيل البطولة حين نخبر أحدا عن جدول أعمالنا في ذلك اليوم، ربما نكتفي بالقول: "سنشاهد المباراة الليلة"، والبقية يعرفها السامع ابتداءً.. من الذي لا يعرف كلاسيكو الأرض؟

أخبرك أمرا؟ ثمة بقعة لا تعرف عن هذا الأمر شيئا، أو بالكاد فإن المطلعين منهم يعرفون عن كريستيانو وميسي مثلما نعرف نحن أن أحمد برادة يلعب الاسكواش.. ثمة بلاد لا جمهور فيها يتابع الكلاسيكو على الإطلاق، وشعب غير مكترث لأن يُطرد كرستيانو ظلما أو تساء معاملة ميسي من مدافع مغرور!

قبل أيام، حين حان موعد المباراة، كنتُ في ختام أسبوعي الأول في منطقة يقل فيها وجود العرب والأغراب خارج العاصمة في ماليزيا، لا أزال جديدا على معرفة كل شيء، إلا أن ما أعرفه جيدا أن المباراة لا يُعوض غياب مشاهدتها في الاستاد سوى مشاهدتها في المقهى، لم أنشغل كثيرا بالبحث عن مقهى مناسب، أيّ واحد سيؤدي الغرض، هكذا كنتُ أظن.

ساعة كاملة قبل الموعد، أجوب "شوارع المقاهي" بحثا عن شاشة تعرض المباراة، قبل أن يتخذل الطموح للبحث عن أحد يعرف شيئا عنها، لينتهى الأمر بالارتكان إلى زاوية أحدهم ثم مشاهدتها على شاشة الجوال.. ربما من الطبيعي -حتى في بلادنا- أن نجد بعضا لا يتابعون أخبار الكرة، لكننا هنا نتحدث عن قاعدة معكوسة، معكوسة تماما.

لا أحبُ أن أحمِّل الأمور أكثر من قدرها، لكني أعتقد أن الدرس الأكبر في الغربة -حتى وإن كانت اضطرارية غير معلومة الهدف ولا النهاية- هو التأمل في تلك التفاصيل الصغيرات، وأن أكبر دروس الحياة نتعلمها من تلك المقارنات، ربما لأننا نجد فيها فائدة نقدمها سلوى للعقل حين يطارده السؤال الدائم: ما الذي جاء بِنا هنا!؟

على أية حال.. أن تجد شعبا لا يعرف شيئا إطلاقا عن حدثٍ يعتقد سُكان بقعة أخرى أنه "مناسبة كونية يتابعها كل سكان الأرض"، ليس لأن الجاهلين به من فقراء التقنية ولا ضحايا الحروب، ولكن لأنه فقط -فقط- أمر لا يعنيهم.. أليس أمرا كهذا يبدو مثيرا للتأمل؟ الحديث هنا عن مساحات الانتشار، عن وهم "العالمية"، عن إدراك غاية التصدر، عن الشهرة، وكيانات النخبة، وأوهام النجاح.. وأشياء أخرى!

مثلا.. يُدرس في مجالس العقيدة أنّ كل من مات على غير الإسلام بأي كيفية كانت، هو في النار قولا واحدا لا يقبل الشك ولا يحمل التخذل، وأن من شك في مصير "الكافر" فقد أصيب إيمانه وبهت دينه.. يومها ثار في ذهني سؤال: أيُّ مصير ينتظر فلاحا في ريف إسبانيا لا يعرف عن الإسلام شيئا.. بينما ابنه الأكبر، الشاب الجامعي، أخبره ذات يوم -في معرض حديث جانبي- أن الإسلام هو طائرة مدنية تخترق برج التجارة العالمي؟ هذا كل ما وصله عن الإسلام، هذا غاية جهده وأقصى حيلته كي يعرف أكثر.

كتب التراث لا تحمل إجابة واضحة جامعة على هكذا سؤال، الفقهاء والمفكرون لم يهتموا كثيرا لهذا الأمر، والذي تكلم منهم فيه عزاه للاجتهاد المنطقي غير المصحوب بالنص.. بيد أن بعضهم حمّل الفلاح مسؤولية الأمر لأنه لم يبحث أكثر، وبعضهم حمّلها لابنه الذي ضلله، وآخرون قالوا إننا نحن من سيحمل وزر غياب الدين عنه، أو أن الله سيختبر قلبه يوم القيامة اسثتثناءً ثم يورده مورده.. لكنّ بعضهم اختار الإجابة الأكثر أريحية، فقال إن العالم كله يعرف الإسلام، وأن دعوة الله عالمية، وأن كل أمة قد أتاها نذير.

في النهاية لن يصل أحد إلى إجابة هذا السؤال، لأن الجهة الوحيدة المخولة بالرد القطعي عنه هي السماء، ولأن وحي الدين قد سكت عن هكذا أمر.. ولأنه كان يسع الفقهاء أن يقولوا ببساطة إننا لا نعرف مصير هؤلاء، لأن الدين لم يخبر عنهم شيئا، بدل من تلك الاجتهادات الغربية غير المنطقية، التي سيكتشف كل من يخرج من نطاقها يوما أنها هاوية للغاية!

أراجع الآن كل لقب أعطيناه لأحدهم بالعالمية، كل فكرة اعتقدنا أنها استغرقت الجميع، وكل بيان ظننا أنّ أحدا لم يستمع إليه وكل حدث ظننا أنه فارق في حياة البشر كل البشر.. وأجد البلاغة في لسان من وصف نشر الأفكار بالدعوات، هي دعوات حقا، يسعها كل ما يسع أي دعوة.. يجتهد صاحبها كي يوصلها لأصحابها، وإلا فإنها لن تصل إليهم مهما كانت قدسيتها أو العون السماوي الذي تتلقاه، لن تصل أبدا!
شاهد أيضا
شارك

عمار مطاوع

Ammar Metawa صحفي مصري مقيم في أمريكا الجنوبية، أكتب من الأرض المنفصلة عن الجانب البعيد من لاتينا، حيث يؤمن الناس بالأساطير والحكايا أكثر مما يؤمن الشرقيون بالعقائد والأديان، ويرسمون حياة فريدة تكسر لدى مَن يجاورهم نمطية الأفكار وجمود التصورات.