يوتوبيا خالد توفيق.. لا توجد مدينة فاضلة
على طريقة حرافيش نجيب محفوظ، يخوض المؤلف الشاب أحمد خالد توفيق الرحلة في روايته الطويلة الأولى “يوتوبيا”.. ليعرض صراع طبقات المجتمع المصري لكن من زاوية المساكن المتهالكة، وبعيون الفقراء المعدمين، وبرؤية هؤلاء الجائعين حول الأبراج العالية.
قد يبدو للوهلة الأولى أن “يوتوبيا” هي إحدى قصص الرعب، كما تم تصنيفها، لكن فى حقيقة الأمر، فإننا نستطيع القول إن مؤلفها أراد أن ينقل لنا تصورا مفزعا لما قد تؤول إليه الأمور في مجتمع لا يحافظ على العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، مثلما يوزعها في تضحيات الثورات.
وبالرغم من أن تفاصيل الرواية التي قد تبدو مفزعة، فإن فيها دربا من الحقيقة إذا لم تحفز الهمم نحو تغيير جذري للمجتمع والوطن. فـ “يوتوبيا”، هي تلك المستعمرة التي كونها الأثرياء بالساحل الشمالي ليحموا أنفسهم من بحر الفقر الغاضب بالخارج، كما وصفه المؤلف، هذه المدينة التي تتوافر فيها كل متع الحياة وملذاتها.
يقسم المؤلف المجتمع المصري في هذه القصة إلى طبقتين طبقة الثراء الفاحش وطبقة الفقر المدقع، فلا وجود للطبقة المتوسطة التي تمثل أغلبية الشعب أو بالأحرى إنها رمانة الميزان للمجتمع الذي فقد إحدى حلقاته لتتسع الهوة بين طبقاته وينعزل الأغنياء في مدينتهم.
لقد دق المؤلف بهذه القصة ناقوس الخطر الذي يهدد مجتمعنا مستقبليا، هذا المجتمع الذي تحكمه المصالح والمحسوبيات، هو مجتمع فقد كل قيم الرحمة والإنسانية، مجتمع سلبي لا يقوى على التغير.
واستند المؤلف في روايته على عدة أسباب قد تقودنا لهذه النتيجة المفزعة مثل سقوط السد العالي، ونجاح إسرائيل في حفر قناة موازية وبديلة لقناة السويس، بل ونضوب البترول في دول الخليج مما أدى ترحيل العمالة المصرية. هذه الأحداث لم تكن بالحسبان لذلك جاءت النتيجة كارثية على ضوء القصة لأننا لم نعد العدة لمواجهة مشاكل كبيرة كهذه.
أما عن جابر وهو البطل الرئيس للقصة فهو بارقة الأمل الوحيدة وسط كل هذا الفساد ويعزى هذا لأنه كان أحد المثقفين أو بالأحرى من طبقة (الكتبجية) كما وصفه الكاتب فهو من هؤلاء الذين دخلوا الجامعات منذ سنوات ثم لم يجدوا عملا، ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا بما تعلموه، لكن علاقتهم بالكتب لا تنتهي.
ولعل ما ترسخ في ذهنه من ثقافة أبقى داخله آخر بذور للإنسانية التي تؤول للزوال. وليس غريبا أن يتغنى بأشعار الأبنودي:
“إحنا شعبين شعبين.
آدي الأول..
قول التاني فين؟
ارسم خط ما بين الإتنين
إحنا بتوع الموت ف الحرب.
والضرب ببوز الجزمة والكعب”.
وتأتي النهاية بمقتل جابر على أيدي أحد الأثرياء الذي لا يكترث لشيء إلا الاحتفاظ بجزء من جسد جابر كدليل على نجاح مغامرته خارج يوتوبيا.
إن موت جابر أشعل فتيل الثورة، ثورة الفقراء الذين انتفضوا أخيرا واستيقظوا بعد سبات طويل ليتمردوا على الأوضاع “تركوا أنفسهم يُسرقون كل هذا الزمن من دون أن يحركوا إصبعا. هم بهذا انحدروا إلى درجة أقل من مرتبة الحيوان. حتى النحل يلدغك لو حاولت سرقة عسله والدجاج ينقر قدميك لو حاولت سرقة البيض. بينما هم ظلوا خائفين صامتين”.
وعلى الجانب الآخر يشير المؤلف إلى موقف الجيش الذي لم يمنع الثوار من الزحف نحو “يوتوبيا”، لم يوقف ثورتهم ولم يوجه أسلحته تجاههم “رأيت الفقراء هناك قادمين على مدى الأفق، يحملون المشاعل. ويصرخون غضبا”.
ولعلنا نلحظ أن المؤلف لم يذكر بتاتا الجانب الديني في الرواية، ليؤكد أن غياب الوازع الديني هو أحد أسباب الانحلال الأخلاقي، فكل الشرائع السماوية حثت على التواد والتراحم بين أفراد المجتمع الواحد كما وضع المشرع حقوقا وواجبات للفرد نحو الآخر ونحو المجتمع (الجار – الصديق – أولي الأرحام – الوالدين)، فضلا عن فريضة الزكاة التي أوجبها الدين لتكون نوعا من التكافل الاجتماعي بل وجعل لها أبوابا ومصارف كثيرة.
أخيرا، فليس من الغريب أن تترجم هذه القصة العميقة المعنى للغة الفرنسية التي أثرت بدورها القصة بذلك الوصف الدقيق والعميق للأحداث، حيث نجح المترجم في إبراز حقيقة مفزعة قد تجعلنا نتصور أنها أحد المقاطع في فيلم رعب، بل لتفجر أخيرا فتيل ثورة نادى بها الشعب:”عيش، حرية، عدالة اجتماعية”.
عدد مشاهدات الموضوع:
شاهد أيضا